الأتم والأكمل، وليست المعاليل موجودات اخر في قبال وجوداتها، بل هي تتولد منها ومن مراتب وجودها النازلة، وعليه فبطبيعة الحال تتناسب معها، مثلا: معنى كون الحرارة معلولة للنار هو أن النار تملك الحرارة في صميم ذاتها وتتولد منها وتكون من مراتب وجودها، وهذا هو التفسير الصحيح لاعتبار السنخية والتناسب بينهما.
فالنتيجة: أن الكائنات الطبيعية بعللها ومعاليلها جميعا خاضعة لقانون التناسب والتسانخ، ولا تتخلف عن السير على طبقه أبدا. وعلى ضوء هذا فلا يمكن القول بأن ترتب المعاليل على عللها بمجرد جريان عادة الله تعالى بذلك من دون علاقة ارتباط ومناسبة بينهما رغم أن العادة لا تحصل إلا بالتكرار.
وعليه، فما هو المبرر لصدور أول معلول عن علته مع عدم ثبوت العادة هناك؟ وما هو الموجب لتأثيرها فيه ووجوده عقيب وجودها؟ ومن الطبيعي أنه ليس ذلك إلا من ناحية ارتباطه معه ذاتا ووجودا، فإذا كان المعلول الأول خاضعا لقانون العلية فكذلك المعلول الثاني...، وهكذا، بداهة عدم الفرق بينهما من هذه الناحية أبدا.
وكيف يمكن أن يقال: إن وجود الحرارة - مثلا - عقيب وجود النار في أول سلسلتهما الطولية مستند إلى مبدأ السنخية والمناسبة وخاضع له، وأما بعده فهو من جهة جريان عادة الله تعالى بذلك، لا من جهة خضوعه لذلك المبدأ؟
فالنتيجة: أن مرد هذه المقالة إلى إنكار واقع مبدأ العلية، وهو لا يمكن.
وأما الثانية وهي الأفعال الاختيارية: فقد تقدم أنها تصدر بالاختيار وإعمال القدرة، فمتى شاء الفاعل إيجادها أوجدها في الخارج، وليس الفاعل بمنزلة الآلة كما سيأتي (1) بيانه بصورة مفصلة.
على أنه كيف يمكن أن يثبت العادة في أول فعل صادر عن العبد؟ فإذا ما هو المؤثر في وجوده؟ فلا مناص من أن يقول: إن المؤثر فيه هو إعمال القدرة