...
الاحتياط النفسي ومصلحة خاصة، لكان له وجه. ولكنه كما ترى، فإن جعل السعة يكون لغوا بعد عدم انفكاك موضوعه عن موضوع الاحتياط. والحمل على الشبهة الوجوبية أو الموضوعية اعتراف بالمعارضة، مع أنه لا شاهد له.
ومما يستدل به: صحيحة عبد الصمد بن بشير المنقولة في أبواب تروك الإحرام - باب 45 [من الوسائل] - عن أبي عبد الله في حديث: (إن رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي وعليه قميصه، فقال لأبي عبد الله: إني كنت رجلا أعمل - إلى أن قال -: ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه) (د)، دل على أن الإتيان بمجهول الحكم لا يوجب شيئا.
وقد ردها الشيخ الأعظم: بظهور مثل هذا التركيب في الجاهل المركب الغافل.
وقيل في توجيهه: إن الباء للسببية، والجاهل الغافل يكون جهله سببا للارتكاب (ه).
وأيد الشيخ مقالته: بأن تعميم الجهالة لصورة الترديد يحوج الكلام إلى التخصيص بالشاك الغير المقصر، وسياقه يأبى عن التخصيص، ثم أمر بالتأمل (و).
ولعل وجه تأمله: عدم تمامية دعواه، ضرورة عدم كون هذه التراكيب ظاهرة فيما ذكر، كما في قوله - تعالى -: (أن تصيبوا قوما بجهالة) (ز)، وقوله: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) (ح).
نعم، مورد الرواية هو الجاهل الغافل، لكن لا يكون المورد مخصصا، خصوصا في مثل هذا العام الذي ورد لإلقاء قاعدة كلية، ويكون من قبيل العموم.
ويؤيد ما ذكرنا: ورود روايات - في باب الحج (ط) والصوم (ي) - بمعذورية الجاهل من غير استفصال عن جهله.
وأما تأييده بكون الباء للسببية، ففيه منعه، ضرورة أن الجهل - بسيطا أو مركبا - لا يكون سببا للفعل، بل السبب له هو مبادئه. نعم ربما يكون العلم بالحكم مع بعض المبادئ مانعا عن ارتكاب الفعل، فالباء هاهنا يمكن أن تكون بمعنى " عن ".
ومع كونها للسببية يصدق أن الارتكاب يكون بجهالة مع الفحص عن الحكم، وعدم