وثانيا: إن هذا يرجع إلى ترجيح بعض الأمارات الظنية على بعض باعتبار الظن باعتبار بعضها شرعا دون الآخر، بعد الاعتراف بأن مؤدى دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق. وسيجئ (1) الكلام في أن نتيجة دليل الانسداد - على تقدير إفادته اعتبار الظن بنفس الحكم - كلية بحيث لا يرجح بعض الظنون على بعض، أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون، ثم التعميم مع فقد المرجح.
والاستدلال المذكور مبني على إنكار ذلك كله، وأن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين الطريق وهي المسألة الأصولية، لا في نفس الأحكام الواقعية الفرعية، بناء منه على أن الأحكام الواقعية بعد نصب الطرق (2) ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام تلك الطرق عليها، فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرق، لا الأحكام الواقعية من حيث هي.
وقد عرفت مما ذكرنا: أن نصب هذه الطرق ليس إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع ومطابقتها له، فإذا دار الأمر بين إعمال ظن (3) في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول.
ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف، بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع، لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها واعتبار مساعدتها في إرادة الواقع، بل مؤدى وجوب العمل بها: جعلها