الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٩٠
بالاعتبارين وخلو فعل مقدور عن الأحكام الخمسة غير معقول و دعوى كونه كالممتنع ممنوعة كيف وجواز تعلق التكليف به حينئذ ضروري ومما حققنا يندفع أيضا ما زعمه بعض المتأخرين من أن انتفاء التحريم في المعلول يستلزم انتفاءه في العلة محتجا عليه باستبعاد العقل خلاف ذلك مع أن مجرد الاستبعاد على تقدير تسليمه لا ينهض حجة لا سيما في مثل هذه المسألة هذا وقد يخطر بالبال للكعبي شبهة أخرى لا بأس بالتنبيه عليها وهي أن فعل المباح عين ترك الحرام في الخارج وإن غايره بحسب العقل ولا ريب في أن ترك الحرام واجب فيجب فعل المباح من حيث اتحاده معه فإن المباح المتحد مع الواجب واجب كما أن المباح المتحد مع الحرام حرام و وجهه واضح مما نحققه في مبحث النهي والحجة على أن ترك الحرام عين فعل الواجب [المباح] في الخارج أن معنى الترك التسبب لعدم الفعل وهو في الخارج عين التسبب لفعل الضد لصدقه عليه مثلا يصدق على الصدق من حيث الخارج أنه لا كذب كما يصدق على الانسان لا شجر ولا حجر وقضية الحمل الاتحاد في الوجود فيكون التسبب لوجود الصدق عين التسبب لما يتحد معه من عدم الكذب فيكون فعل الصدق عين ترك الكذب والجواب أما أولا فبالمنع من اتحاد الصدق وعدم الكذب في الخارج بل هما متباينان كالانسان والضحك و إنما الثابت اتحاده مع مفهوم عادم الكذب أو ذي عدم الكذب وقول المنطقيين الانسان لا شجر أو لا حجر ليس معناه أنه نفس عدمهما في الخارج للقطع ببطلانه كما عرفت بل معناه أنه عادمهما أو ذو عدمهما وأما ثانيا فبأنه لا ريب في أن التارك للفعل يتصف بتركه أولا من حيث إنه تاركه مع قطع النظر عن تشاغله بأضداده ويتصف به ثانيا بواسطة اتصافه بأضداده التي هي متصفة به ضرورة أن صفة الصفة صفة بالتبع وهما متغايران قطعا لاختلافهما في القيام و لتعدد الثاني بتعدد الافعال التي هي منشأ لانتزاعه وانتفائه بانتفاء موصوفه بخلاف الأول فإنه أمر متحد لا يتعدد إلا بتخلل الفعل ومن الواضح أن المطلوب بالنهي إنما هو الأول دون الثاني لتحققه مع الفعل أيضا إذ لا يختص انتزاعه بالضد فإن لا كذب يصدق على الجلوس المجامع للكذب مع وضوح عدم مطلوبيته فسقط الوهم المذكور رأسا واعلم أن المقالة المنقولة عن الكعبي في المقام لا تخلو عن نوع إجمال إلا أن قضية احتجاجه الأول أن يجب بالوجوب الغيري كل ضد مقارن لترك الحرام وقضية الاحتجاج الثاني أن يجب كل ضد للحرام فإن تعين فتعيينا وإلا فتخييرا وفي اقتضائه للوجوب النفسي أو الغيري نظر ثم اعلم أنه لو تمت شبهة الكعبي للزم نفي المندوب والمكروه أيضا و ظاهر القوم إسناد نفي المباح إليه خاصة فيمكن أن يكون ذلك قصورا منه أو منهم في البيان لا قصرا في الحكم أو ينزل المباح فيما نقل عنه من وجوب كل مباح على معناه الأعم فيدل على نفي الأحكام الثلاثة وحينئذ لا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم في دفع التنافي في قوله بوجوب كل مباح من أن المراد وجوب ما هو مباح عند القوم أو أن ما هو مباح بالذات واجب بالعرض إلا أن بعض كلمات القوم كرد البعض له بأن ترك الحرام قد يتم بفعل الواجب يأبى عن ذلك الثامن لا ريب في وجوب مقدمة ترك الحرام فإن مرجعه إلى وجوب مقدمة الواجب فإن ترك الحرام واجب وأما مقدمة فعله فالتحقيق أن تحريم الشئ لا يقتضي تحريم مقدمته وإن ترتب عليها ما لم يكن سببا فعليا أو قصد بها التوصل إليه وإن لم يترتب عليها فيحرم حينئذ من حيث التجري أما الأول فلأصالة عدم تحريمها السالم عن المعارض و الفرق بينها وبين مقدمة الواجب أن التوصل إلى الواجب لا يمكن بدون مقدمته فتستلزم مطلوبيته مطلوبيتها بخلاف ترك الحرام فإنه يمكن مع الاتيان بمقدمته ولو حرم مقدمة الحرام مطلقا لحرم جميع الأفعال أو معظمها لامكان التوصل بها إلى محرم وبطلانه ضروري وأما الثاني فلشهادة العقل والشرع والظاهر أنه موضع وفاق ولهذا تراهم يحكمون بحرمة السفر الذي قصد به محرم وإن لم يترتب عليه المحرم وظاهرهم استحقاق العقوبة عليها بل تجويز ترتبها عليها نعم يستثنى من ذلك نية المحرم فإنها بمجردها لا عقاب عليها بل الظاهر أنه لا حرمة فيها أيضا لما ورد من أن نية السوء لا تكتب على هذه الأمة تفضلا منه تعالى عليهم وذلك لا ينافي قبحه العقلي وهذا مما لا إشكال فيه على ما نحققه من أن تكاليف الشرع إنما تتبع جهات التكليف وأن منها جهات المكلف به وأما على ما هو المعروف من أنها تتبع جهات المكلف به فقط فلا محيص إلا بالمنع من قبحها العقلي أو إثبات قسم ثالث للمعصية غير الكبيرة والصغيرة ولهذا المقام تفصيل يأتي في محله وإذا تركب المحرم فكل جز من أجزائه إن أخذ في ضمن الكل كان محرما بحرمة الكل فإن اتصاف الكل بصفة يوجب اتصاف كل جز منه بها في ضمن الكل وإن أخذ منفردا كان محرما إن قصد به التوصل إلى الكل أو كان بمنزلة السبب كالجز الأخير في وجه وإلا فلا والكلام في مقدمة المكروه كالكلام في مقدمة الحرام التاسع إذا توقف الواجب الموقت موسعا كان أو مضيقا على مقدمة مقدمة على وقته في الحصول أو توقف الموسع عليها في أول وقته كذلك وجب فيه بحكم العقل أحد الامرين من اختصاص وجوبه في تمام الوقت أو أوله بواجد المقدمة فيكون وجوبه مشروطا بحصولها ومن وجوبه ولو في حق فاقدها قبل حضور الوقت وجوبا مطلقا ولو بمقدار فعل المقدمة فيكون وجوبها حينئذ أيضا مطلقا وإلا لزم التكليف بالمحال حال صدور التكليف ووقوعه وهو محال بالضرورة فمن فروع المسألة عدم وجوب إيقاع الصلاة في أول الوقت على فاقد بعض شرائطها المعتبرة في حقه بمقدار زمن يمكن تحصيل الشرط فيه وإن وجب عليه فيه إيقاعها فيما تأخر عنه ومن فروعها أيضا وجوب الغسل للصوم الواجب على المحدث بالأكبر قبل الفجر فإنه إذا ثبت وجوب الصوم من الفجر المشروط بالطهارة في حق المحدث و المتطهر ثبت وجوبه قبله ولو في حق المحدث لتحصيل الطهارة لا بمعنى أن ما قبل الفجر ظرف للواجب بل لوجوبه كما مر ولا يذهب عليك أن هذا البيان إنما يقتضي مطلوبية الصوم قبل الفجر بقدر ما يغتسل فيه وأما ما زاد عليه فلا لاندفاع التكليف بالمحال به فيمكن أن يوجه على هذا قول من قال بوجوبه إذا بقي للفجر بمقدار الغسل بأن أصحاب هذا القول قد اقتصروا في إثبات الوجوب على محل اليقين
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»