الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٨٠
أن يكون الزمان المتقدم ظرفا للوجوب والفعل معا بل المراد أنه يجب على المكلف في الزمان السابق أن يأتي بالفعل في الزمن اللاحق كما يجب على المكلف في المكان الممنوع من العبادة فيه مثلا أن يأتي بها خارجة فالزمن السابق ظرف للوجوب فقط والزمن اللاحق ظرف لهما معا فإن قلت إذا وجب الفعل قبل حصول ما يتوقف عليه من الامر الغير المقدور فوجوبه إما أن يكون مشروطا ببلوغ المكلف إلى الوقت الذي يصح وقوعه فيه أو لا يكون فإن كان الأول لزم أن لا يكون وجوب قبل البلوغ إليه كما هو قضية الاشتراط وإن كان الثاني لزم التكليف بالمحال فإن الفعل المشروط بكونه في ذلك الوقت على تقدير عدم البلوغ إليه ممتنع قلت إن أردت بالبلوغ نفسه اخترنا الشق الثاني ونمنع لزوم التكليف بالمحال على تقديره لأنه إنما يلزم إذا وجب عليه إيجاد الفعل المقيد بالزمن اللاحق على تقدير عدم بلوغه إليه وهو غير لازم من عدم اشتراطه بنفس البلوغ و إن أردت بالبلوغ ما يتناول بعض الاعتبارات اللاحقة بالقياس إليه ككونه ممن يبلغ الزمن اللاحق منعنا توقف الوجوب على سبق البلوغ أو مقارنته له بل يكفي مجرد حصوله ولو في الزمن اللاحق فيرجع الحاصل إلى أن المكلف يجب عليه الفعل قبل البلوغ إلى وقته على تقدير بلوغه إليه فيكون البلوغ كاشفا عن سبق الوجوب واقعا وعدمه كاشفا عن عدمه كذلك ومما حققنا يتبين لك الفرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط وأن الموقوف عليه في المشروط شرط الوجوب وفي المعلق شرط الفعل فلا تكليف في الأول بالفعل و لا وجوب قبله بخلاف الثاني كما أشرنا إليه ففرق إذن بين قول القائل إذا دخل وقت كذا فافعل كذا وبين قوله افعل كذا في وقت كذا فإن الأولى جملة شرطية مفادها تعلق الامر والالزام بالمكلف عند دخول الوقت وهذا قد تقارن وقت الأداء فيه لوقت تعلق الوجوب كما في المثال وقد يتأخر عنه كقولك إن زارك زيد في الغداة فزره في العشي والثانية جملة طلبية مفادها إلزام المكلف بالفعل في الوقت الآتي وحاصل الكلام أنه ينشأ في الأول طلبا مشروطا حصوله بمجئ وقت كذا وفي الثاني ينشئ طلبا حاليا والمطلوب فعل مقيد بكونه في وقت كذا ومن هذا النوع كل واجب مطلق توقف وجوده على مقدمات مقدورة غير حاصلة فإنه يجب قبل وجوب المقدمات إيجاد الفعل بعد زمن يمكن إيجادها فيه وإلا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا أو التكليف بما لا يطاق وكلاهما ضروري الفساد واعلم أنه كما يصح أن يكون وجوب الواجب على تقدير حصول أمر غير مقدور وقد عرفت بيانه كذلك يصح أن يكون وجوبه على تقدير حصول أمر مقدور فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله وذلك كما لو توقف الحج المنذور على ركوب الدابة المغصوبة فالتحقيق أن وجوب الواجب حينئذ ثابت على تقدير حصول تلك المقدمة وليس مشروطا بحصولها كما سبق إلى كثير من الأنظار والفرق أن الوجوب على التقدير الأول يثبت قبل حصولها وعلى الثاني إنما يثبت بعد تحققها لامتناع المشروط بدون الشرط وبعبارة أخرى حصول المقدمة على الأول كاشف عن سبق الوجوب وعلى الثاني مثبت له كما مر وتظهر الثمرة في وجوب المقدمات التي يؤتى بها قبلها فعلى الأول يجب الاتيان بها على تقدير إتيانه بها لاطلاق الامر حينئذ فيصح قصد القربة بها وإيقاعها على وجه الوجوب بخلاف الوجه الثاني ويظهر أيضا فيما لو كانت المقدمة المحرمة مما يعتبر حصولها في أثناء التشاغل بالواجب كالاغتراف من الآنية المغصوبة في الطهارة الحدثية مع الانحصار وكترك الواجب المتوصل به إلى فعل الضد فإن العبادة تصح على الوجه الأول لوجوبها ومطلوبيتها على تقدير حصول تلك المقدمة وعلى الثاني لا يصح لانتفاء الطلب والوجوب قبلها والذي يدل على المذهب المختار أن ما دل على عدم وجوب الواجب عند حرمة مقدمته المتعينة هو لزوم التكليف بالمحال الممتنع وقوعه بالعقل والسمع ولا ريب أنه إنما يلزم ذلك لو كلف بالواجب مطلقا على تقدير الاتيان بالمقدمة المحرمة وعدمه وأما لو كلف به مطلقا على تقدير الاتيان بها خاصة فلا فيبقى إطلاق الامر فيه بحاله فيرجع حاصل التكليفين بملاحظة القاعدة المذكورة إلى مطلوبية ترك الحرام مطلقا لا على تقدير ومطلوبية فعل الواجب مطلقا على تقدير حصوله ولا فرق في ذلك بين أن يكون المقدمة المحرمة سببا أو غيره وإن كان الحكم في السبب لا يخلو عن نوع خفاء نعم يعتبر فيه من اعتبار أمر زائد على المسبب لئلا يلزم إيجاب الشئ على تقدير وجوبه فإنه مما يستقل العقل بقبحه فتوقف الواجب على حصول هذه المقدمة الاختيارية من قبيل توقفه على حصول المقدمة الغير الاختيارية كتذكر المكلف وقت الفعل وقدرته فيه بمعنى خلوه في تمام الوقت من الموانع الاضطرارية بالنسبة إلى زمن التكليف مع ثبوت الوجوب على تقدير حصولهما قبله أيضا وأما القدرة مطلقا فليس حصولها معتبرا لجواز أن يمتنع الفعل في الوقت مع ثبوت التكليف قبله كما في المتقاعد عن الحج فالموقوف عليه في الحقيقة في هذه الصور هو كون المكلف بحيث يأتي بالمقدمة المحرمة ولو في زمن لاحق أو كونه بحيث يكون وقت الفعل متذكرا خاليا من الموانع الغير المستندة إليه و هذا وصف اعتباري ينتزع من المكلف باعتبار ما يطرأ عليه في الزمن المستقبل من هذه الصفات وهو غير متأخر عن زمن الوجوب و إن تأخرت عنه الصفة التي تنتزع عنه باعتبارها ولو كان نفس العلم و الخلو من الموانع في الوقت شرطا لتأخر زمن الوجوب عن زمن الفعل فلا يبقى مورد للتكليف ومن هذا القبيل كل شئ يكون وقوعه مراعى بحصول شئ آخر كالصحة المراعاة بالإجازة في الفضولي فإن شرط الصحة فيه كون العقد بحيث يتعقبه الإجازة و ليست مشروطة بنفس الإجازة وإلا لامتنعت قبلها وينقسم الواجب باعتبار آخر إلى نفسي وغيري فالواجب النفسي ما تعلق الطلب به لنفسه والواجب الغيري ما تعلق الطلب به للوصلة إلى غيره واللام هنا للتعليل على وجه مخصوص لا لمطلق التعليل وإلا لانتقض الحدان بكثير من الواجبات النفسية وتوضيح ذلك أن المطلوب من المكلف في الواجب الغيري إنما هو إيجاده للتوصل به إلى غيره على أن يكون التوصل به إليه مطلوبا منه وإن كان حاملا على الطلب أيضا و المطلوب منه في الواجب النفسي إيجاده فقط والتوصل به إلى أمر آخر أو
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»