الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٦٠
وإلا فمجاز ولا بد أولا من تحرير محل النزاع وذلك يتم برسم أمور الأول لا خفاء في أن المشتق المبحوث عنه هنا لا يعم الافعال و المصادر المزيدة فإن عدم مساعدة النزاع المحرر على ذلك واضح جلي وحينئذ فهل المراد به ما يعم بقية المشتقات من اسمي الفاعل و المفعول والصفة المشبهة وما بمعناها وأسماء الزمان والمكان والآلة وصيغ المبالغة كما يدل عليه إطلاق عناوين كثير منهم كالحاجبي وغيره أو يختص باسم الفاعل وما بمعناه كما يدل عليه تمثيلهم به واحتجاج بعضهم بإطلاق اسم الفاعل عليه دون إطلاق بقية الأسماء على البواقي مع إمكان التمسك به أيضا وجهان أظهرهما الثاني لعدم ملائمة جميع ما أوردوه في المقام على الأول والعلامة التفتازاني خص موضع النزاع باسم الفاعل الذي يكون بمعنى الحدوث دون مثل المؤمن والكافر والأبيض والحر والعبد مما يعتبر في بعضه الاتصاف به مع عدم طريان المنافي وفي بعضه الاتصاف به بالفعل وهو ممنوع لعدم مساعدة إطلاق عناوينهم وأمثلتهم عليه وبعضهم خصه بما إذا لم يتصف المحل بالضد الوجودي ونقل الاتفاق في المتصف به على المجازية مطلقا واحتج عليه بأن الاجماع منعقد على عدم تسمية المؤمن كافرا بالنظر إلى كفره السابق والوجه فيه أن الكفر قد زال واتصف محله بوصف وجودي مضاد له وفيه أن الاجماع لو كان منعقدا على ذلك لما تعسف القائلون بأنه حقيقة في الماضي مطلقا بأن المنع هناك شرعي لا وضعي وإن أريد إجماع أهل اللسان على ذلك فلا دلالة فيه على عدم وقوع الخلاف فيه و أضعف من ذلك تخصيص بعضهم للعنوان المذكور بما إذا كان المشتق محكوما به ونقل الاتفاق على كونه حقيقة مطلقا إذا كان محكوما عليه محتجا عليه باتفاق المسلمين على أن قوله تعالى الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما واقتلوا المشركين ونحو ذلك يتناول من لم يتصف بهذه المبادي حال النزول وفيه أن الكلام في وضع المشتق من حيث نفسه لا فيما يقتضيه بحسب التراكيب وظاهر أن وضع المشتق لا يختلف بحسب كونه محكوما عليه أو محكوما به أو غير ذلك وأما تلك الدلالة فإنما نشأت من حيث كون المشتق كليا متناولا لجميع أفراد طبيعة لا من حيث كونه محكوما عليه إذ لو كان محكوما عليه باعتبار فرد معهود وأفراد معهوده نحو المشرك أو المشركون كذا اقتضى التلبس حال النطق ولو كان كليا ولم يكن محكوما عليه اقتضى أيضا ثبوته مطلقا كما في قولك اجلد الزاني واقطع السارق ومنه واقتلوا المشركين فاتضح أنه لو اعتبر العموم والكلية بدل ما اعتبره من كونه محكوما عليه لكان أقرب مما ذكره مع أن انتفاء النزاع في المحكوم عليه لا يقتضي بظاهره تخصيصه بالمحكوم به كما لا يخفى الثاني الأزمنة المعتبرة في إطلاق المشتق إما أن تؤخذ بالقياس إلى النطق كما صرح به بعضهم و ربما يساعد عليه ظاهر اللفظ فيكون المراد بالحال حال النطق و بالماضي ما تقدم عليه وبالاستقبال ما تأخر عنه فيدخل في الأول نحو أكرمت أو سأكرم قائما إذا كان الاتصاف حال النطق دون حال الاكرام ويخرج نحو كان أو سيكون زيد عالما إذا لم يكن الاتصاف حال النطق فيخرج الأولان عن القسمين الأخيرين ويدخل الأخيران فيهما أو تؤخذ بالقياس إلى التلبس والاتصاف كما صرح به بعض المحققين وهو الموافق للتحقيق فيكون المراد بإطلاقه على الحال إطلاقه على المتصف بالمبدأ باعتبار حال التلبس وعلى الماضي إطلاقه على المتصف به باعتبار ما بعد الاتصاف وعلى المستقبل إطلاقه عليه باعتبار ما قبله فيدخل في الأول نحو كان أو سيكون زيد عالما إذا أطلق عليه باعتبار زمان الاتصاف وأكرمت أو سأكرم قائما إذا كان الاتصاف حال الاكرام ويخرج منه ما لو أطلق ذلك باعتبار ما قبل زمن الاتصاف أو الاكرام أو ما بعده سواء صادف حال النطق أو لا فيدخلان في القسمين الأخيرين ومن هنا يظهر أن كلا من الأزمنة الثلاثة المقيسة إلى النطق صالحة لكل من الأزمنة الثلاثة المقيسة إلى حال التلبس والأولى أن يؤخذ الأزمنة الثلاثة باعتبار الزمن الذي أطلق المشتق على الذات باعتباره ليستقيم مقابلته بحال النطق فالماضي ما تقدم عليه حال التلبس والحال ما قارنته و المستقبل ما تأخرت عنه والفرق بين هذا الوجه والوجه الأخير اعتباري الثالث أن مفهوم الزمان خارج عن مدلول المشتق وضعا وقيد لحدثه باعتبار الصدق والاطلاق فالفاعل مثلا إنما وضع ليطلق على الذات المتصفة بمبدئه الخاص أعني المبدأ المأخوذ باعتبار زمن الاتصاف أو الأعم منه ومن ما بعده وبهذا فارق الفعل من حيث إن الزمان جز من معناه فإن أطلق باعتبار زمن آخر أو اعتبر الزمان في مدلوله كان مجازا من غير فرق في الثاني بين زمن الحال وغيره فما ذكره النحاة من أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله إن كان بمعنى الحال و الاستقبال ولا يعمل إن كان بمعنى الماضي لا يبتني على أخذ الزمان جزا من معناه على ما سبق إلى بعض الأوهام إذا عرفت هذا فالحق أن المشتق إن كان مأخوذا من المبادي المتعدية إلى الغير كان حقيقة في الحال والماضي أعني في القدر المشترك بينهما وإلا كان حقيقة في الحال فقط لنا على ذلك الاستقراء فإن الضارب والقاتل و الساكب والكاسر والهازم والقاطع وكذا ما أخذ من باب الافعال و التفعيل والاستفعال كمكرم ومتصرف ومستخرج ونحوها إذا أطلقت تبادر منها ما اتصف بالمبدأ حال الاتصاف وما بعدها وإن نحو عالم وجاهل وحسن وقبيح وطاهر ونجس وطيب وخبيث و حائض وطامث وحامل وحائل وحي وميت وقائم وقاعد وراكع و ساجد ويقظان ونائم ومعتل ومنكسر وصحيح ومريض و محب ومعاد ومبغض وصاحب ومالك إلى غير ذلك يتبادر منها المتصف بالمبدأ حال الاتصاف فقط وقد سبق أن التبادر من آيات الحقيقة وهذا الاختلاف هل هو ناشئ من تعدد الوضع أو من تركب الهيئة مع المواد المتعدية والغير المتعدية وجهان واعلم أنه قد يطلق المشتق ويراد به المتصف بشأنية المبدأ وقوته كما يقال هذا الدواء نافع لكذا ومضر وشجرة كذا مثمرة والنار محرقة إلى غير ذلك وقد يطلق ويراد به المتصف بملكة المبدأ أو باتخاذه حرفة وصناعة كالكاتب والصانع والتاجر والشاعر ونحو ذلك ويعتبر في المقامين حصول الشأنية والملكة أو الاتخاذ حرفة في الزمان الذي أطلق المشتق على الذات باعتباره وفي الثاني خاصة سبق مزاوله مع عدم الاعراض ثم اعلم أن الزمان الذي يطلق المشتق على الذات باعتباره قد يكون حال
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»