الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٨
أن هذه الألفاظ لو كانت موضوعة للصحيحة لزم فيما لو نذر أن يعطي مصليا حال تشاغله بالصلاة درهما أن لا تبرأ ذمته بإعطائه لمن يراه مصليا وإن كان عنده في أعلى مراتب العدالة والصلاح ما لم يبحث عن كيفية صلاته ويطلع على صحتها الواقعية باستكمالها الأجزاء والشرائط وذلك مما لا يلتزم به أحد وكذا الكلام في جواز الائتمام به والجواب أما أولا فبالنقض بما لو نذر الاعطاء لمن يأتي بالصلاة الصحيحة مع أن الاشكال المذكور وارد عليه على القول بالأعم أيضا وأما ثانيا فبالحل وهو أن قضية أصالة صحة أفعال المسلمين على ما تقرر في الشرع عدم وجوب البحث والتفتيش في المقامين والاكتفاء بظاهر الحال ما لم ينكشف الخلاف ولهذا يحكم في المقام الأول بعدم البراءة إذا انكشف الخلاف ويلزم القائل بالأعم أن يلتزم بالبراءة فيه بل وفيما إذا تبين الفساد قبل الاعطاء ولو عند الفاعل أيضا وهو من أقبح المفاسد اللازمة على هذا القول اللهم إلا أن يتفصى عنه بأن المتبادر من الاطلاق خلاف ذلك فيرجع عند التحقيق إلى ما ذكرناه وأما ما يقال من أفعال المسلمين إنما تحمل على الصحيح عندهم دون الواقع فلا يجدي في المقام فضعيف بل قضية الأدلة الدالة على ذلك في المقام ونظائره الصحة الواقعية ولولا ذلك لما حل أكل ذبائحهم ولا لبس الجلود التي توجد في أيديهم إلى غير ذلك إلا بعد العلم بحصول التذكية الشرعية وهو خلاف الاجماع وسيأتي لهذا زيادة بيان في محله إن شاء الله ومنها أن هذه الألفاظ مستعملة في الصحيحة والفاسدة فالأولى أن تكون موضوعة للأعم ليكون استعمالها فيهما على الحقيقة كما هو الأصل والجواب أن وقوعها مستعملة في خصوص الصحيحة مما لا ريب فيه ومعه لا يتم الأولوية للأعم ليكون استعمالها فيهما على الحقيقة كما هو الأصل والجواب أن وقوعها مستعملة في خصوص الصحيحة مما لا ريب فيه ومعه لا يتم الأولوية المدعاة كما مر مرارا على أنا قد بينا ما يوجب الخروج عن مقتضاها على تقدير تسليمها ومنها صحة تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة وصحة وصفها بهما ولولا أن المقسم و الموصوف أعم لم يصح ذلك والجواب أن التقسيم والوصف قرينة على أنها مستعملة في المعنى الأعم والاستعمال أعم من الحقيقة كما مر وإن أريد صحة تقسيمها ووصفها باعتبار معناها الحقيقي فممنوع ومنها أنها لو كانت موضوعة للصحيحة لزم تكرار معنى الطلب في الأوامر المتعلقة بها والتالي باطل فكذا المقدم بيان الملازمة أن الامر حينئذ يرجع إلى الامر بالمطلوب إذ هو معنى الصحيحة فيكون المعنى اطلب مطلوبي وهو المراد بالتالي و أما فساده فظاهر وأيضا لا معنى للصحيحة إلا ما تعلق به الطلب فإذا كان متعلق الطلب هو الصحيحة لزم الدور لتوقف الطلب حينئذ على الصحة والصحة على الطلب والجواب أنا لا نعتبر الصحة جزا لمدلول اللفظ بل نعتبرها صفة له خارجة عنه وحينئذ فلا تكرار ثم المراد بالصحة موافقة الفعل للطلب الواقعي فتوقف الطلب الظاهري عليه لا يوجب الدور وأما الطلب الواقعي فهو لا يتعلق بالفعل الصحيح أعني ما يكون صحيحا قبل تعلق الطلب به بل يتعلق بالفعل من حيث هو والصحة من لوازمه وتوابعه أو بما يكون صحيحا بذلك الطلب فلا إشكال ومنها ما ورد في الروايات المستفيضة من الامر بإعادة الصلاة عند حصول بعض المنافيات وهي عبارة عن الاتيان بالفعل ثانيا بعد الاتيان به أولا فيكون المراد بها المعنى الأعم إذ ليس الامر هناك بإعادة الصحيحة وعلى قياسه الكلام في سائر الألفاظ و الجواب أن ذلك لا يقتضي إلا مجرد الاستعمال وهو لا يقتضي الحقيقة كما مر غير مرة ويكفي في صدق الإعادة عرفا مجرد سبق العزم على الفعل والتشاغل ببعض أجزائه على ما يساعد عليه الاستعمال في المقام وغيره فليس في شئ منهما دلالة على كون الوضع للأعم و منها أنها لو كانت أسامي للصحيحة لزم أن يدل النهي عنها على صحتها والتالي باطل فكذا المقدم بيان الملازمة أن النهي حينئذ إنما يتعلق بالصحيحة لان أداته إنما يتعلق بما هو موضوع بإزائها على ما هو المفروض فلا بد من إمكانها حينئذ حتى يصح تعلقه بها وإلا لكان النهي عنها عن أمر ممتنع وهو ممتنع وأما بطلان التالي فواضح على ما سيأتي بيانه والجواب أن هذا الدليل إنما يثبت مجرد الاستعمال وهو لا يوجب الحقيقة مع أنه يمكن أن يكون المراد بها الماهية الصحيحة بتنزيل النهي على نفي الفعل لا المنع من إيقاعه أو يكون اللفظ مستعملا في الصحيحة حال ذكر النهي ويكون الفساد طارئا عليها بالنهي لكن هذا إنما يتم إذا كان العمل مطلوبا على الوجه المنهي عنه قبل النهي و قصد بالنهي عنه إنشاء عدم مطلوبيته به ومنها أنها لو كانت موضوعة بإزاء الصحيحة لزم أن يكون مورد النذر فيما لو نذر أن لا يصلي في مكان مرجوح هي الصلاة الصحيحة والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فلان التقدير أنها موضوعة للصحيحة وأما بطلان التالي فلان تعلق النذر بها يستلزم النهي عنها وهو يستلزم فسادها على ما سيأتي وفسادها يستلزم عدم تعلق النذر بها إذ التقدير أنه متعلق بالصحيحة لا غير وما يقتضي وجوده عدمه فهو محال مع أن النذر المذكور منعقد والجواب أما أولا فبالنقض بما لو نذر أن لا يصلي فيه صلاة صحيحة فيتأتى فيه الاشكال المذكور بعينه بناء على الأعم أيضا ولو منع جواز تعلقه بها حينئذ لاتجه لنا منع جوازه على التقدير الأول أيضا إلا أن يجعل تعلقه بها قرينة على إرادة الأعم لكن لا يثبت به إلا مجرد الاستعمال على أن تعلقه بالأعم يستلزم تعلقه بنوعيه من الصحيح والفاسد إذ تخصيصه بغير التصحيح غير صحيح فيتأتى الاشكال المذكور بالنسبة إلى تعلقه بالصحيح وفيه نظر ظاهر وأما ثانيا فبالحل وهو أن النذر حينئذ إنما يتعلق بالصحيحة والفساد إنما يأتيها بعد تعلق النذر بها فلا منافاة والمعتبر في صحة تعلق النذر بشئ إمكانه على تقدير عدم تعلق النذر به لا إمكانه مطلقا إذ لا دليل عليه غاية ما في الباب أن يمتنع الحنث فيه و يكون أثر النذر مجرد الفساد ولا دليل على خلافه وقد يقال يتعلق النذر حينئذ بما يكون صحيحا على تقدير عدم تعلق النذر بتركه فيحنث بفعله وإن وقع فاسدا وله أيضا وجه لان النذر إنما يتعلق بالصحيح حال النذر فلا ينافيه لحوق الفساد من جهته نعم لا يتحقق منه الحنث إلا إذا أتى به قاصدا به القرينة وهو لا يكون إلا مع زعمه عدم فساده بالنذر ومنها ما ذكره بعض المعاصرين من أنها لو كانت أسامي للصحيحة لزم أن يكون لكل صلاة ماهيات متكثرة بحسب اختلاف أحوال المكلفين كالحاضر والمسافر والحافظ و الناسي والشاك والصحيح والمريض والمضطر والامن و
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»