الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٨٦
المعاصر إذ كلامه مسوق لبيان الفرق لا لبيان ما يكتفي به في معرفة العلة ثم لا خلاف في تعدية حكم الأصل هنا إلى الفرع في الجملة و إن اختلفوا في وجه التعدية وقد حرروا النزاع في آية التأفيف فذهب فيها قوم إلى أن تعدية حكم التحريم إلى أنواع الأذى الزائدة عنه بالقياس وذهب آخرون إلى أنها لدلالتها عليه بالمفهوم الموافق و حكي عن المحقق أنها منقولة عن موضوعها اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى احتج الأولون بأنه لو قطع النظر عن المعنى المناسب المشترك ومن كونه آكد في الفرع لما حكم بتعدي الحكم إليه وهو معنى القياس واعترض عليه أولا بأن معنى المناسب لم يعتبر لاثبات الحكم حتى يكون قياسا بل لكونه شرطا في دلالة المفهوم وثانيا بأن من لا يقول بحجية القياس يقول بحجيته ولو كان قياسا لما قال النافي به ورد الأخير بأنه لا خلاف في حجية هذا النوع من القياس و إنما الخلاف في حجية بقية أنواعه فليس في الاتفاق على حجيته دلالة على عدم كونه قياسا وفي هذا الرد مع أصل الاعتراض نظر أما في الرد فلان من يجعل الدلالة باعتبار المفهوم أو النقل ينكر حجيته باعتبار كونه قياسا فلا يتم الاجماع على حجية هذا النوع من القياس و أما في الاعتراض فلان كل من أنكر حجية القياس لا يقول بحجية هذا النوع منه بل بعضهم كما عرفت وهو في الحقيقة مفصل بين أنواع القياس وليس فيه دلالة على عدم كونه قياسا احتج النافون بالقطع بإفادة اللفظ للحكم المذكور من غير توقف على استحضار صورة القياس فلا يكون التعدية باعتباره ورد بأن هذا النوع من القياس لا يتوقف على استحضار صورة القياس بل يعرفه كل من يعرف اللغة من غير حاجة إلى نظر واجتهاد ولعل حجة المحقق تبادر حرمة مطلق الأذى منه عند الاطلاق وأنه آية الحقيقة وضعفه ظاهر لان تبادرها ليس عن نفس اللفظ بل عنه بواسطة المعنى ومثله لا يكون علامة للحقيقة وإلا لكان كل لفظ حقيقة في لوازم معناه لتبادرها منه معه فانحصر الاحتمال في القولين الأولين ولكل وجه ولا ثمرة للنزاع تتمة قد ورد في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على عدم حجية القياس بالطريق الأولى فيدل على عدم حجية غيره بالطريق الأولى كصحيحة أبان ابن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها قال عشر من الإبل قلت قطع اثنين قال عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان فقال مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين ووجه الدلالة أن ثبوت الثلاثين عند قطع الثلاث يوجب ثبوته عند قطع الأربع بطريق الأولوية وقد شنع الامام على السائل حيث استدل به بقول إنك أخذتني بالقياس إلى آخر ما مر وفي الخبر عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح ظاهر قدميه لظننت أن باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما ووجه الدلالة أن المستفاد من كلامه التعريض و التنبيه على أن الدين ليس بالقياس وأن ظن الأولوية كما هو مورد الفرض هذا مضافا إلى الأخبار الدالة على تحريم العمل بالقياس فإن قضية إطلاقها أو عمومها عدم الفرق فيه بين الأقسام المذكورة إذ لا اختصاص لها بالمستنبط فيكون التفصيل تحكما والجواب أما عن الأول فبأن القياس المقصود هناك قياس ظني لا سيما بعد ورود الرواية المخالفة كما اعترف به السائل إذ لا قطع بأن قطع الثلاث علة لثبوت الثلاثين مطلقا لجواز اشتراطه بعدم انضمامه إلى ما يوجب البلوغ إلى ثلث دية الرجل كما ذكره عليه السلام غاية ما في الباب أن نظن عدم الاشتراط وهو غير معتبر فإن قلت منشأ إطلاق الظن ما دل على سببية قطع الثلاث للثلاثين فيكون ظنا معتبرا قلت إنما يعتبر الاطلاق حيث لا يعارضه ورود المقيد وقد اعترف السائل بوروده فلا يبقى له إلا مجرد استبعاد مستند إلى قياس ظني كما يشهد به مساق كلامه وأما عن الثاني فبأنه إنما يدل على عدم حجية القياس بالطريق الأولى عند الظن الاستحساني بالطريق والأولوية كما يستفاد من قوله عليه السلام لظننت ولا كلام فيه وأما عن الأخير فمن وجهين الأول التصرف في الأخبار المذكورة بحملها على القياس المستنبط بدليل تسميته عملا بالرأي كما وقع في بعض الاخبار فإن العمل بالبواقي عمل بالنص أو بما لا ريب في حجيته مع أن تسمية ما عدا المستنبطة به غير ثابت في الاخبار وإنما الثابت تسميته به في مصطلح القوم وهو لا يجدي والثاني بالتصرف في الأقيسة التي نقول بحجيتها بإرجاعها إلى قياس اقتراني مشتمل على صغرى وجدانية وهي أن النبيذ مسكر والشتم أشد إيلاما من قول أف وكبرى مستفاد من التصريح بالعلة أو الفحوى وهي تحريم كل مسكر أو كل أذى يكون أشد من قول أف وبالجملة يستفاد من النص أو ما في حكمه كبرى كلية وبعد ضم صغرى وجدانية إليها يتم المقصود ولا حاجة إلى اعتبار المشاركة مع الأصل في علة الحكم واستفادة الحكم من هذه الحيثية وإن كانت حاصلة ليلزم العمل بالقياس ولا يذهب عليك ضعف هذا الوجه فالمعتمد هو الأول ثم اعلم أن للقائلين بحجية القياس المستنبط طرقا لاستنباط العلة كالدوران وهو دوران الحكم مع العلة وجودا وعدما كدوران تحريم الخمر مع الاسكار وكالسبر والتقسيم وهو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل الصالحة للعلية في عدد ثم إبطال علية ما عدا الذي يدعى عليته وكالمناسبة والإحالة وهو تعيين العلة في الأصل بمجرد المناسبة وغير ذلك مما تحرر في كتب الجمهور وحيث أبطلنا
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»