الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٥٠
يوجب تقييده مع ما فيه من البعد وقد التزم به الحاجبي حيث يكون الجزاء مثبتا لأنه حينئذ لا يقتضي العموم كما في قولك لو أهنتني لأكرمتك بخلاف المنفي كما في المثال المذكور ويضعفه أن الجزاء المنفي كما يقتضي العموم وتخصيصه خروج عن الظاهر كذلك الجزاء المثبت يقتضي الاطلاق وتقييده خروج عن الظاهر إذ ليس التقييد بنفس التقييد الذي اشتمل عليه الشرطية وإلا لزم تقدمه على نفسه بل بتقييد آخر يقدر اعتباره ولا يعارضه لزوم التجوز في لو لما فيه من البعد عن مظان الاستعمال بخلاف التجوز فيها وما يقال من أن التقييد أو التخصيص خير من المجاز فليس على إطلاقه ثم اعلم أن النفي في المفهوم يتعلق بعين ما تعلق به الاثبات في المنطوق و بالعكس فيفيد عموم السلب حيث يتعلق الاثبات بالجنس أو الفرد المنتشر وسلب العموم حيث يتعلق الاثبات بالجميع وكذا إذا تعلق بالجنس باعتبار فرد لا بشرط سواء كان معينا في الواقع أو لا ويفيد عموم الاثبات حيث يتعلق النفي بالكل وفي غير ذلك لا يفيده هذا ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول للقوم في المقام تمسكات والذي يصلح منها للذكر أمور منها ما تمسك به العلامة من أن الشرط ليس علة لوجود الجزاء ولا مستلزما له فلو لم يستلزم عدمه العدم لخروج عن كونه شرطا وإلا لجاز أن يكون كل شئ شرطا لكل شئ هذا كلامه ولا يخفى أنه لو خلط بين الشرط بالمعنى المبحوث عنه في المقام وبين الشرط بالمعنى الذي سبق في بحث المقدمة وقد عرفت أن الشرط المبحوث عنه هنا يستلزم وجوده وجود الجزاء لامتناع وجود الملزوم بدون اللازم وهذا ظاهر لا سترة عليه ومنها ما تمسك به في المعالم من أن قولنا إن جاءك زيد فأكرمه يجري في العرف مجرى قولنا الشرط في إكرامه مجيئه والمتبادر منه انتفاء الاكرام عند انتفاء المجئ فيكون الأول أيضا كذلك وأورد عليه بعض المعاصرين بأن المتبادر من أدوات الشرط هو سببية الشرط دون شرطيته سواء فسرت بالمعنى المقابل للسبب أو بما يتناوله فتفسيرها بالشرط ناشئ عن الخلط بين المعنيين هذا محصل كلامه و جوابه أن لفظ الشرط كما يطلق على المعنيين المذكورين كذلك يطلق على السبب والعلة كما نص عليه بعضهم فيمكن حمله عليه في كلامه دفعا للخلط المذكور نعم يتجه على ما حققناه أن يقال إن كان المقصود إثبات الدلالة والتبادر في المقامين باعتبار الاطلاق فمسلم وإلا فممنوع على ما مر ومنه يظهر ضعف التبادر المدعى في الايراد أيضا لكن يبقى في الدليل المذكور شئ وهو أنه يجوز أن يكون ما ذكره في قوله الشرط في إكرامه مجيئه مستفادا من حمل المجئ على الشرط حيث إنه يفيد الحصر لما سيأتي من أنه لولاه للزم الاخبار بالخاص عن العام وظاهر أن هذه النكتة غير متحققة عند التعبير بأدوات الشرط فلا يلزم أن يساويه في الدلالة فالأظهر أن يقال إنه يجري مجرى قولنا مجئ زيد شرط في وجوب إكرامه فإن المفهوم منه أيضا ما ذكره على ما يشهد به الاعتبار الصحيح ومنها أنه لو لم يكن مفاد التعليق ذلك لكان لغوا ويمتنع على الحكيم وأورد بعض المعاصرين في دفعه أن ذلك إنما يقتضي فائدة ما دون خصوصية هذه الفائدة وأصالة عدم غيرها لا ينتفي احتماله مع أن الغالب وجوده مضافا إلى أن هذا لا يناسب القول بالحجية ولا يوافق القول بالدلالة اللفظية على ما هو المعهود من القائلين بالحجية كما يظهر من استنادهم إلى التبادر و فهم أهل اللسان ذلك منه في بعض الموارد مع أن المقصود في مثل المقام إثبات الحقيقة ليصح التمسك به عند عدم قيام دليل على الخلاف ولو كان المقصود إثبات الدلالة باعتبار العقل لم يكن لذلك اختصاص بمفهوم الشرط ولا بالمفاهيم ولا يقتضي تأصيل أصل مستقل له على أن الفائدة إنما تثبت حينئذ إذا لم يظهر للشرط فائدة أخرى ومع ذلك يرجع النزاع حينئذ إلى تجويز اللغو على الحكيم و عدمه لو وجد مثل هذا الفرض وهو مما لا يقبل النزاع ودعوى أن اللفظ إذا لم يتصور له إلا فائدة معينة فالاستقراء يقتضي أن يكون موضوعا بإزائها ممنوعة غاية الامر أن تكون مرادة منه أما كونه موضوعا لها فلا وما قيل من أن مفهوم الشرط إنما يكون حجة إذا لم يظهر له فائدة أخرى ظهورا مساويا أو أزيد فمدفوع بأن ذلك لا يثبت الدلالة اللفظية أما العقلية الناشئة من القرائن الخارجية فالظاهر أن أحدا لا ينكر ذلك لكنه لا يوجب ثبوت قاعدة كلية تخص المقام كما هو شأن قواعد الفن فالذي يناسبها حينئذ إثبات أظهريتها إلا أنها إذا كانت أظهر كانت حجة هذا ملخص كلامه ومواضع النظر فيه غير خفية نعم يتجه على الدليل ما أورده أولا من أن الفائدة في التعليق لا تنحصر في إفادة المفهوم فالأولى أن يضاف إلى ذلك دعوى ظهور الفائدة المذكورة في التعليق من بين الفوائد المحتملة في التعليق حيث لا شاهد على التعيين فيتم الاحتجاج فإن حجية ظواهر الألفاظ مما لا يدانيه وصمة الريب ولا يعتريه أثر الشك وإن لم يستند إلى نفس الوضع فيناسب القول بالحجية و يوافق الدلالة اللفظية ويلائم تأصيل قاعدة كلية كما في المقام بقرينة الحكمة وليس مرجع النزاع حينئذ إلى جواز صدور اللغو عن الحكيم وعدمه فإن النزاع في الحكم لا يستلزم النزاع في مدركه لامكان الغفلة عنه أو عن دلالته عليه وقد يتخيل أن هذا الدليل على تقدير صحته يدل على نفي الجزاء عند انتفاء الشرط مطلقا إذ كما أن إلغاء الاشتراط يحصل على تقدير موافقة المسكوت عنه بجميع أفراده للمنطوق كذلك يحصل على تقدير الموافقة في الجملة بالنسبة إلى البعض الموافق وضعفه ظاهر إذ يكفي في صون الاشتراط عن الالغاء مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الجملة فإن الفائدة المترتبة على القيد يعتبر بالقياس إلى عدم القيد لا بالقياس إلى قيد آخر و منها الاخبار منها ما رواه عبيد بن زرارة قال سألت الصادق عليه السلام عن قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال ما أبينها من شهد منكم الشهر فليصمه ومن سافر فلا يصمه يعني فلا يجب عليه صومه كما هو قضية الانتفاء عند انتفاء الشرط فالتعبير عنه بصيغة النهي توسع وهو في مثل المقام متداول ويمكن إبقاؤه على ظاهره فيكون تفسيرا للمفهوم مع ملاحظة ما ثبت في الشرع من حرمة التشريع وأيضا عنه عليه السلام في تفسير قوله تعالى فمن
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»