الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢٥
على المنع من لزوم اجتماع المطلوبية والمبغوضية والرجحان و المرجوحية في الشئ الواحد غير متجه عليه فإن قضية مطلوبية الترك يتوصل به إلى فعل الواجب ورجحانه مبغوضية ترك هذا الترك و مرجوحيته دون الفعل وقضية مطلوبيته على تقدير عدم التوصل بتركه ورجحانه مبغوضية تركه الغير المتوصل به ومرجوحيته لا الترك مطلقا ولا الترك المتوصل به فاختلف المورد وقد مر توضيح ذلك في مسألة الضد وكان عد هذا النوع من باب الأمر بالمتنافيين أقرب من عده من باب اجتماع الأمر والنهي وإنما اعتبرنا في القسم الأخير كون الأمر والنهي على وجه التخيير أو الترتيب لأنهما لو كانا على وجه التعيين والاطلاق امتنع تواردهما على محل واحد لاستلزامه اجتماع الامر مع النهي بمعنى طلب الترك المطلق المستفاد من الامر المطلق في الترك الخاص وأما إذا كان النهي عن الفعل مطلقا والامر ببعض أفراده مشروطا ولو بالعزم على مخالفة النهي فهذا مما يمتنع إجماعا من القائلين بامتناع التكليف بما لا يطاق مطلقا فإن مورد الامر فيه عين مورد النهي شخصا وجهة فيلحق بالنوع الأول وقد مر التنبيه على ذلك في بعض المباحث السابقة ثم لا فرق في موضع النزاع بين أن يكون بين الجهتين عموم من وجه كالصلاة والغصب وبين أن يكون بينهما عموم مطلق مع عموم المأمور به كما لو أمره بالحركة ونهاه عن التداني إلى موضع مخصوص فتحرك إليه فإن الحركة والتداني طبيعتان متخالفتان وقد أوجدهما في فرد واحد والأولى منهما أعم وبعض المعاصرين خص موضع النزاع بالقسم الأول وجعله فارقا بين هذا النزاع والنزاع الآتي في الفصل اللاحق حيث يختص بالقسم الثاني وقد سبقه إلى ذلك غيره و أنت خبير بأن قضية الأدلة الآتية في المقام وإطلاق عناوين كثير منهم عدم الفرق بين المقامين وسيأتي تحقيق الفرق بين النزاعين إذا عرفت هذا فنقول المعروف بين أصحابنا هو القول بعدم جواز الاجتماع وعليه بعض مخالفينا وخالف فيه جماعة من متأخري المتأخرين فأجازوا ذلك تبعا لجمهور المخالفين والحق عندي ما ذهب إليه الأولون من استحالة الاجتماع وهو عندي من باب التكليف المحال بالمحال كالاجتماع مع اتحاد الجهة وسيظهر وجهه من بياننا الآتي فيتعدد جهة الامتناع ولا يبتني على القول باستحالة التكليف بالمحال لا كما يظهر من بعض المانعين من كونه من باب التكليف بالمحال خاصة لنا أمران الأول أن الطلب مما يمتنع تعلقه بالطبائع المجردة عن اعتبار الوجود والعدم وذلك ظاهر بشهادة العقل والعرف ضرورة أن الأمر والنهي يشتركان في هذا القدر أعني طلب الماهية فلا يتمايزان ما لم يعتبر مطلوبية الماهية في أحدهما من حيث الوجود وفي الاخر من حيث العدم وأيضا الماهية من حيث هي ليست إلا هي فلا يعقل طلبها من المكلف و أيضا لا تأثير للقدرة إلا في الوجود والعدم فلا يصح التكليف إلا بهما لقبح التكليف بغير المقدور فظهر أن المطلوب لا يكون إلا وجود الماهية أو عدمها وحيث إن المطلوب في الامر وجود الطبيعة على وجه يستلزم مبغوضية تركها وفي النهي عدمها على وجه يستلزم مبغوضية فعلها فإذا اتحدت الطبيعتان في الخارج بأن وجدتا بوجود واحد كالصلاة في المكان المغصوب المتحدة مع الغصب لزم على تقدير الاجتماع اجتماع المطلوبية والمبغوضية في الوجود الذي هو واحد شخصي على ما تقرر في محله وهو باطل ضرورة أن المطلوبية و المبغوضية وصفان متضادان يستدعيان متعلقين متغايرين مع أن الرخصة في فعل المنهي عنه على الاطلاق مما ينافي قضية النهي عنه فضلا عن الامر به وكذلك الرخصة في ترك المأمور به على الاطلاق مما ينافي قضية الامر به فضلا عن النهي عنه ولا فرق في ذلك بين أن يعتبر حيثية الجهة تعليلية أو تقييدية أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلان ما توارد عليه الوصفان حقيقة إنما هو المقيد وعلى ما قررنا أمر وجداني إذ لا يخرج عن وحدته بتعدد القيود المنضمة إليه فإن قيل يجوز أن يكون المأمور به والمنهي عنه نفس الطبيعتين المقيدتين بالوجود الخارجي على أن يكون القيد خارجا وحينئذ فلا يلزم وحدة المتعلق لتغاير المقيدين وإن اتحد القيد قلنا لا جدوى في ذلك بعد الاغماض عما فيه لان الطبيعتين متحدتان إن أخذتا باعتبار كونهما مقيدتين بالوجود الخارجي ضرورة عدم التمايز بينهما فيه فيلزم عليه ما مر وإن جردتا عن ذلك الاعتبار خرجتا عن كونهما مطلوبيتين فلا ينفع التغاير فيه لا يقال لا نسلم أن المتعلق فيهما على التقدير الأول واحد لتحقق المغايرة الاعتبارية فإن الوجود المذكور من حيث كونه منشأ لتحصيل الطبيعة المأمور بها غيره من حيث كونه منشأ لتحصيل الطبيعة المنهي عنها وإن أريد المغايرة الحقيقية فلا نسلم أن الضرورة تشهد على اعتبارها سلمنا لكن لا نسلم أن المطلوب في الامر حقيقة الوجود الخارجي كيف وهي مما يمتنع تعقلها وحصولها في الأذهان وإلا لانقلبت خارجا على ما تبين في محله والطلب إنما يتعلق بأمر معقول بل المطلوب هو الوجود بالمعنى العام الضروري الذي هو عرضي لافراد الخارجية ومنتزع منها وحينئذ فلم لا يجوز أن يكون الوجود بهذا المعنى متعددا بحسب تعدد الطبائع الموجودة فإن انتزاع الوجود بهذا المعنى من وجود إحدى الطبيعتين من حيث كونه وجودها كالصلاة مثلا ليس نفس انتزاعه من وجود الأخرى كذلك كالغصب إذ المدار في تعدد الأمور الاعتبارية على تعدد مأخذها ولو بالاعتبار لأنا نقول قضية المغايرة الاعتبارية فيما ذكر تغاير الاعتبارين لا تغاير ما تواردا عليه ضرورة أن ذات المضاف لا تتعدد بتعدد الإضافة ولا ريب في أن مورد الأمر والنهي إنما هو نفس الوجود العيني الذي به تحقق الحقيقة في الخارج على ما يشهد به صريح العقل والعرف فتعدد الاعتبارات المذكورة لا يوجب التعدد فيه ولا ينافيه امتناع تحققه في العقل لان الممتنع إنما هو تحققه فيه بالكنه والحقيقة لا بالوجه فإن الوجود بالمعنى العام وجهه فيصح تعلق الطلب به باعتباره فيكون هذا المفهوم مطلوبا لكن لا من حيث كونه هذا المفهوم كيف وهو بهذا الاعتبار كسائر المفاهيم بل من حيث كونه آلة لملاحظة أفراده التي يصح وقوعها في الخارج فيكون المطلوب في الحقيقة نفس أفرادها التي هي حقيقة الوجود الخارجي واعلم أن هذا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»