هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٤٦
حمل الشئ على نفسه، لإمكان انتفاء الأمرين معا، على أنه لو أريد الحكم بصحة الحمل أيضا فيمكن مراعاته باعتبار الحمل الذاتي دون المتعارف كما أشرنا إليه، إلا أنه غير مأخوذ في العلامة المذكورة، وأما بالنسبة إلى صحة السلب المأخوذ علامة للمجاز فالأمر أظهر، إذ المفروض هناك تغاير المفهومين فلا إشكال في صحة السلب أصلا.
هذا، وقد ظهر بما قررنا أن تخصيص الحمل في المقام بالحمل الذاتي كما يوجد في كلام بعضهم (1) في الجواب عن الإيراد الأخير ليس على ما ينبغي، كيف!
ومعظم موارد إعمال العلامتين المذكورتين ما يستعلم به الحال في المصاديق ولا معنى لأخذ الحمل هناك ذاتيا ومن الغريب نصه قبل ذلك بإعمال العلامة المذكورة في مقام تعرف حال المصداق.
وأما (2) عن الثاني فبأن ما يتوقف عليه الحكم بعدم صحة السلب هو ملاحظة

(1) ذكره في رسالة له في بيان جملة من المبادئ اللغوية. (منه (رحمه الله)).
(2) قوله: " وأما عن الثاني... إلخ "..
لا يخفى أن إشكال الدور لا يختص بعدم صحة السلب بل يجري في صحة السلب أيضا، ولم يتعرض له المصنف (قدس سره) بل اقتصر عند تقرير الدور على بيان ما يرد منه في عدم صحة السلب. والأجوبة المذكورة في كلامه منطبقة على دفعه بالنسبة إلى عدم صحة السلب، إلا أنه صرح في ذيل الجواب الثالث بجريانه بالنسبة إلى صحة السلب أيضا فأشار بذلك إلى جريان الدور فيه أيضا، وسيأتي منه عند الكلام في الأجوبة المذكورة في كلام القوم تقريره في صحة السلب أيضا. لكن لا يخفى أن الذي قرره بالنسبة إلى عدم صحة السلب يغاير ما يرد منه في صحة السلب ولا يجري أيضا في جميع الوجوه المذكورة له بل يختص ببعضها، وما يرد منه في صحة السلب يجري في جميع وجوهها وفي عدم صحة السلب بجميع وجوهه. وتوضيح المقام أن إشكال الدور يجري في عدم صحة السلب من وجهين:
أحدهما: خاص به لا يجري في التبادر ولا في صحة السلب، وهو الدور المصرح الذي قرره أولا فإنه إنما يتجه من حيث أن العلامة عدم صحة سلب المعنى الحقيقي المتوقف معرفته على معرفة المعنى الحقيقي المتوقفة على معرفة عدم صحة السلب المذكورة فمبنى التوقف الأول على أن السلب المأخوذ في العلامة لا بد أن يعتبر مضافا إلى موصوف بكونه معنى حقيقيا، إذ لولا ذلك لم يدل على الحقيقة، كما سبق التنبيه عليه في كلامه. وظاهر أن معرفة عدم صحة السلب المعتبر على الوجه المذكور متوقفة على العلم باتصاف ما أضيف إليه بكونه معنى حقيقيا، والتوقف الثاني هو مقتضى كونه علامة للحقيقة، وهو ظاهر.
وبالتأمل فيما ذكرناه يعلم أنه لا يرد في التبادر إذ العلامة هناك تبادر مطلق المعنى من نفس اللفظ دون المقيد منه بكونه معنى حقيقيا وإنما تعلم الصفة المذكورة بملاحظة تبادره من نفس اللفظ، وليس الاتصاف المذكور معتبرا في العلامة ليتوهم توقف العلم بالوضع على العلم به، وكذلك لا يرد في صحة السلب فإنه وإن كانت العلامة هناك صحة سلب المعنى الحقيقي المشاركة لعدم صحة السلب في الإضافة إلى المعنى الحقيقي الموجبة للتوقف المذكور، إلا أن المتوقف على ذلك إنما هو معرفة المعنى المجازي دون المعنى الحقيقي ليتوهم لزوم الدور.
ثم الوجه المذكور من الدور لا يجري في جميع الوجوه المذكورة، لعدم صحة السلب بل يختص بالوجه الثاني منها وبالصورة الثانية من الوجه الأول، ولا يجري في الصورة الأولى منه ولا في الوجه الثالث، أما الأول فلأن العلامة في الصورة المذكورة إنما هو عدم صحة سلب مفهوم المسمى وما بمعناه ولا ريب أن معرفته من الجهة المذكورة لا تتوقف إلا على تصور المفهوم المذكور، وظاهر أنه لا محذور في ذلك أصلا، وأما الثاني فلأن العلامة في الوجه المذكور عدم صحة سلب الحقيقة الخاصة والطبيعة المعلومة عن الفرد المذكور المبحوث عنه من غير اعتبار كونه معنى حقيقيا للفظ، إذ ليس المقصود بها إلا العلم باندراج المبحوث عنه في تلك الطبيعة وكونه من أفرادها، فليست الإضافة إلى المعنى الحقيقي معتبرة في العلامة ليتوهم لزوم الدور من جهته.
فظهر بما قررناه أن الدور بالتقرير المذكور إنما يتجه في موردين قد اعتبر فيهما عدم صحة السلب مضافا إلى مصداق المعنى الحقيقي، فإنه الذي يتوهم توقف العلم على العلم بكون المعنى حقيقيا ثانيهما ما هو نظير الدور الوارد على التبادر من توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحة السلب - كما هو مقتضى كونه علامة - وتوقف الحكم بعدم صحة السلب على العلم بالوضع، لوضوح أن الجاهل بالوضع مع احتماله لكون المعنى مجازيا غير موضوع له اللفظ أو غير مندرج في المعنى الموضوع له لا يتأتى منه الحكم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي بوجه من الوجوه المذكورة.
وهذا الدور يجري في صحة السلب في جميع الوجوه المذكورة، لعدم صحة السلب حق فيما يرد عليه الدور السابق من الموردين المذكورين فيتجه فيهما إشكال الدور من جهتين، وهذا الدور كالدور السابق إنما يرد على وجه التصريح دون الإضمار، كما أن وروده في التبادر أيضا كذلك حسبما مر بيانه هناك في كلامه ولا تعرض في كلامه هنا لهذا القسم عند تقرير إشكال الدور لكنه سينبه عليه عند نقل الأجوبة المذكورة في كلام القوم وردها.
ويندفع هذا الدور في جميع موارده بالوجهين المذكورين في التبادر، إلا في الصورة الأولى من الوجه الأول فيتعين فيها الجواب بالرجوع إلى العالم، ولا يجري فيها الوجه الآخر من الفرق بين العلم بالشئ والعلم بالعلم به كما أشار إليه رفع مقامه، والوجه فيه: أن كون المعنى موضوعا له وعدم صحة سلب مفهوم الموضوع له عنه مفهومان متلازمان في مرتبة واحدة، ففرض عدم العلم بالعلم بالأول يوجب عدم العلم بالعلم بالثاني أيضا، فلا يعقل الاستدلال بأحد العلمين على الآخر، وهذا بخلاف عدم صحة السلب في سائر الوجوه ضرورة حصول الاختلاف فيها بينه وبين الوضع بحسب المرتبة بالعلية والمعلولية، بل نقول:
مرجع هذه العلامة على الوجه المذكور عند التحقيق إلى التنصيص بالوضع، ولا يعقل أن يكون التنصيص بالوضع علامة له بالنسبة إلى من يصدر عنه ذلك التنصيص. وأما في غير الصورة المذكورة فالجواب عنه ما ذكر من الوجهين.
وينبغي أن يعلم أن الوجهين المذكورين إنما يجديان في رفع الدور على الوجه الثاني خاصة ولا جدوى لها في رفع الدور على الوجه الأول، لبقائه مع البناء على كل من الوجهين.
أما بقاؤه على الوجه الأول من رجوع الجاهل بالوضع إلى حكم العالم به بعدم صحة السلب فلأن العلامة حينئذ وإن كان حكم العالم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي المتوقف على علمه بالمعنى الحقيقي لا على علم الجاهل المستدل لكن لا ريب أن المستدل بعلامة لا يتأتى له الاستدلال بها والتوصل بها إلى ذيها إلا مع علمه بتحققها، فإذا كانت العلامة حكم العالم بالوضع بعدم صحة السلب المخصوص أي المضاف إلى ما يكون معنى حقيقيا للفظ والمفروض أن الجاهل المستدل يجب أن يعلم بثبوتها وتحققها فلا جرم يتوقف علمه بالوضع على علمه بكون المعنى الذي يحكم العالم بعدم صحة سلبه معنى حقيقيا تحقيقا لما هو العلامة للوضع وهو الدور المذكور.
وبالجملة: فالتوقف الموجب للدور المذكور إنما ينشأ من إضافة السلب المعتبر في العلامة إلى ما يكون معنى حقيقيا الموجبة لتوقف العلم بالعلامة على العلم به، ولا ريب في
(٢٤٦)
مفاتيح البحث: الوقوف (2)، الجهل (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 246 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 5
2 ترجمة المؤلف 32
3 متن المعالم 49
4 تعريف الفقه 51
5 تعريف أصول الفقه 93
6 متن المعالم 101
7 ملاك تقدم بعض العلوم على بعض 102
8 متن المعالم 105
9 موضوع علم الفقه ومبادئه ومسائله 106
10 متن المعالم 127
11 تقسيمات اللفظ 128
12 الفائدة الأولى: أقسام الدلالة 141
13 الفائدة الثانية: الوضع الإفادي والوضع الاستعمالي 145
14 الفائدة الثالثة: في الكناية والاستعارة 146
15 الفائدة الرابعة: أقسام الوضع باعتبار الموضوع 160
16 الفائدة الخامسة: أقسام الوضع باعتبار الموضوع له 170
17 الفائدة السادسة: كيفية الوضع في المفردات والمركبات 193
18 الفائدة السابعة: هل الاستعمال في المعنى المجازي توقيفي أو لا؟ 197
19 الفائدة الثامنة: الأصل في الاستعمال حمل اللفظ على معناه الحقيقي 205
20 الفائدة التاسعة: طرق معرفة الحقيقة والمجاز 213
21 أحدها: تنصيص الواضع بالوضع أو بلوازمه أو بنفيه أو نفي لوازمه 213
22 ثانيها: النقل المتواتر وما بمنزلته 213
23 ثالثها: الاستقراء 214
24 رابعها: الترديد بالقرائن وملاحظة مواقع الاستعمال 215
25 خامسها: أصالة الحقيقة 215
26 سادسها: ورود اللفظ في مقام البيان مجردا عن القرائن 222
27 سابعها: انتفاء المناسبة المصححة للتجوز 223
28 ثامنها: استعمال اللفظ في معنى مجازي بملاحظة معنى مخصوص من مستعملات اللفظ 224
29 تاسعها: أصل العدم 224
30 عاشرها: التبادر 226
31 حادي عشرها: عدم صحة السلب 240
32 ثاني عشرها: الاطراد وعدمه 260
33 أمور اخر لطرق معرفة الحقيقة والمجاز 268
34 ذكر قاعدة في طرق معرفة الحقيقة والمجاز 284
35 الفائدة العاشرة: دوران الأمر بين الأمور المخالفة للمعنى الحقيقي 289
36 المقام الأول: في بيان ما يستفاد منه حال اللفظ في نفسه: 290
37 أحدها: الدوران بين الاشتراك والمجاز 290
38 ثانيها: الدوران بين الاشتراك والتخصيص 304
39 ثالثها: الدوران بين الاشتراك والتقييد 304
40 رابعها: الدوران بين الاشتراك والإضمار 304
41 خامسها: الدوران بين الاشتراك والنقل 304
42 سادسها: الدوران بين الاشتراك والنسخ 307
43 سابعها: الدوران بين النقل والمجاز 308
44 ثامنها وتاسعها: الدوران بين النقل والتخصيص وبينه وبين التقييد 309
45 عاشرها: الدوران بين النقل والإضمار 309
46 حادي عشرها: الدوران بين النقل والنسخ 309
47 المقام الثاني: في بيان ما يستفاد منه حال اللفظ بالنسبة إلى خصوص الاستعمالات وهي وجوه عشرة: أحدها: الدوران بين المجاز والتخصيص 310
48 ثانيها: الدوران بين المجاز والتقييد 312
49 ثالثها: الدوران بين المجاز والإضمار 312
50 رابعها: الدوران بين المجاز والنسخ 313
51 خامسها: الدوران بين التخصيص والتقييد 314
52 سادسها: الدوران بين التخصيص والإضمار 315
53 سابعها: الدوران بين التخصيص والنسخ 315
54 ثامنها: الدوران بين التقييد والإضمار 317
55 تاسعها: الدوران بينه وبين النسخ 317
56 عاشرها: الدوران بين الإضمار والنسخ 317
57 مسائل متفرقة من الدوران 319
58 الفائدة الحادية عشر: هل الألفاظ موضوعة للأمور الخارجية أو للصور الذهنية 334
59 الفائدة الثانية عشر: في المشتق 362
60 المراد بالحال في بحث المشتق 363
61 المعروف بين علماء العربية عدم دلالة الصفات على الزمان على سبيل التضمن على ما هو الحال في الأفعال 367
62 المشتقات التي وضع النزاع فيها تعم أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة وأسماء التفضيل والأوصاف المشتقة 369
63 المعروف بين الأصوليين في المشتق قولان: أحدهما: عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق 371
64 ثانيهما: القول باشتراط البقاء 371
65 حجة القول بعدم اشتراط البقاء وجوه 372
66 ردود على أدلة القائلين بعدم اشتراط البقاء 375
67 حجة القائل باشتراط البقاء أمور وأجوبتها 380
68 حجة القول بالتفصيل بين المشتقات وجوابها 384
69 تحقيق القول في المسألة 387
70 ما يتفرع على البحث عن المشتق 394
71 متن المعالم 397
72 الحقيقة اللغوية والعرفية 401
73 الحقيقة الشرعية 404
74 ثمرة القول بالحقيقة الشرعية 414
75 حجة المثبتين 418
76 حجة النافين 421
77 رد حجة النافين 425
78 أدلة اخر على ثبوت الحقيقة الشرعية 428
79 الصحيح والأعم 434
80 المقام الأول في بيان محل النزاع 434
81 المقام الثاني في بيان الأقوال في المسألة 436
82 المقام الثالث في بيان حجج الأقوال 442
83 أدلة الصحيحي 442
84 أدلة الأعمي 458
85 المقام الرابع في بيان ثمرة النزاع في المسألة 484
86 تتميم الكلام في المرام برسم أمور 489
87 متن المعالم 493
88 وقوع الاشتراك في لغة العرب 497
89 استعمال المشترك في أكثر من معنى 499
90 متن المعالم 539
91 استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي 541
92 حجة المانعين 542
93 حجة المجوزين 549
94 نقد كلام صاحب المعالم 553
95 متن المعالم 557
96 مادة الأمر 565
97 حدود الأمر 569
98 هل يعتبر العلو أو الاستعلاء أم لا؟ 577
99 الطلب والإرادة 582
100 اشتراط الإرادة في دلالة الأمر على الطلب 590
101 هل الأمر يفيد الوجوب وضعا أو لا؟ 592
102 صيغة الأمر 596
103 أدلة القائلين بدلالة صيغة الأمر على الوجوب 607
104 أدلة القائلين بدلالة صيغة الأمر على الندب 637
105 حجة القائلين بدلالة الصيغة على القدر المشترك 643
106 حجة السيد المرتضى (قدس سره) 648
107 حجة القائلين بالتوقف 652
108 متن المعالم 655
109 شيوع استعمال الأمر في الندب في عرف الأئمة (عليهم السلام) 656
110 الجمل الخبرية المستعملة في الطلب 661
111 الأمر عقيب الحظر 663
112 انصراف الأمر إلى الوجوب العيني، التعييني، النفسي 670
113 الدوران بين الندب المطلق والوجوب المقيد 675
114 الدوران بين الندب النفسي والوجوب الغيري 676
115 الدوران بين الندب العيني والوجوب الكفائي 677
116 الدوران بين الندب التعييني والوجوب التخييري 678
117 الدوران بين الوجوب المقيد النفسي والمطلق الغيري 678
118 الدوران بين الوجوب المقيد والكفائي أو التخييري 678
119 الدوران بين الوجوب الغيري والنفسي الكفائي أو التخييري 679
120 الدوران بين الوجوب الكفائي والتخييري 679
121 هل يعتبر قصد الأمر أم لا؟ 679
122 تعدد الأمر ظاهر في تعدد التكليف 686
123 هل يقتضي الأصل التداخل أم لا؟ 695
124 التنبيه على أمور 705
125 في تداخل الأسباب 707
126 هل يتوقف حصول التداخل على نية الكل تفصيلا أو إجمالا أم لا؟ 713
127 مورد التداخل 715
128 التعيين بالنية في المطلوبين المتحدين في الصورة 716