أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ٩
أما الخاص: فإن كلمة رددناه، فالرد يشعر إلى رد لأمر سابق، والأمر السابق هو خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأحسن تقويم شامل لشكله ومعناه، أي جسمه وإنسانيته، فرده إلى أسفل سافلين، يكون بعدم الإيمان كالحيوان بل هو في تلك الحالة أسفل دركا من الحيوان، وأشرس نفسا من الوحش، فلا إيمان يحكمه ولا إنسانية تهذبه، فيكون طاغية جبارا يعيث في الأرض فسادا، وعليه يكون الاستثناء، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فبإيمانهم وعملهم الصالحات يترفعون عن السفالة، ويرتفعون إلى الأعلى فلهم أجر غير ممنون.
والوجهة العامة وهي الشاملة لموضوع السورة من أولها ابتداء من التين والزيتون وما معه في القسم إلى * (لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين ءامنوا) *.
فإنه إن صح ما جاء في قصة آدم في قوله: * (فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) *. روى المفسرون أن آدم لما بدت له سوأته ذهب إلى أشجار الجنة ليأخذ من الورق ليستر نفسه، وكلما جاء شجرة زجرته ولم تعطه، حتى مر بشجرة التين فأعطته، فأخلفها الله الثمرة مرتين في السنة، وكافأها بجعل ثمرتها باطنها كظاهرها لا قشر لها ولا عجم.
وقد روى الشوكاني في أنها شجرة التين التي أخذ منها الورق. فقال: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: (لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقى في أطراف أصابعه).
قال: وأخرج الفريابي وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال: (كان لباس آدم وحواء كالظفر وذكر الأثر وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) قال: ينزعان ورق التين، فيجعلانه على سوأتهما.
وبهذا النقل يكون ذكر التين هنا مع خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم رده أسفل سافلين إلا الذين آمنوا سر لطيف جدا، وهو إشعار الإنسان الآن، أن جنس الإنسان كله بالإنسان الأول أبي البشر، وقد خلقه الله في أحسن حالة حسا ومعنى، حتى رفعه إلى
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»