أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ١٨٠
ومراده بالمجاز ما قدمنا من إطلاق المحل وإرادة الحال.
وذكر ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن الصدر ظرف للوسواس، وأنه يوقع الوسوسة في القلب. على ما قاله ابن عباس ومجاهد رحمهم الله.
وفي لفظ الناس هنا المضاف إليه الصدور: اختلاف في المراد منه، فقيل: الإنس الظاهر الاستعمال.
وقيل: الثقلان: الإنس والجن.
وإن إطلاق الناس على الجنس مسموع، كما حكاه القرطبي. قال عن بعض العرب:
إنه كان يحدث فجاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم: فقالوا: ناس من الجن، وهذا معنى قول الفراء.
واستدل صاحب هذا القول بطريق القياس باستعمال لفظي رجال ونفر في قوله تعالى: * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) *، وقوله: * (وإذ صرفنآ إليك نفرا من الجن) *.
وعليه يكون الوسواس المستعاذ منه يوسوس في صدور الجن والإنس.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوجه: ولكنه رده وضعفه، لأن لفظ الناس أظهر وأشهر في الإنس، وهو المعروف في استعمال القرآن، ولأنه على هذا يكون قسم الشيء قسما منه، لأنه يجعل الناس قسيم الجن، ويجعل الجن نوعا من الناس ا ه. ملخصا.
وعلى كل، فإن منهج الأضواء أن ما كان محتملا وكان أكثر استعمالات القرآن لأحد الاحتمالين، فإن كثرة استعماله إياه تكون مرجحا، وجميع استعمالات القرآن للفظ الناس إنما هو في خصوص الإنس فقط، ولم تستعمل ولا مرة واحدة في حق الجن مع مراعاة استعمالها في هذه السورة وحدها خمس مرات، حتى سميت سورة الناس.
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»