أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٢
الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع هذا الاستعجاب بإعلان إيمانه وتصديقه، ويضم معه أبا بكر وعمر، وإن كانا غائبين عن المجلس، لعلمه منهما أنهما لا ينكران ما ثبت بالسند الصحيح لمجرد استبعاده عقلا.
وهنا يقال لمنكري التسبيح حقيقة وما المانع من ذلك؟ أهو متعلق القدرة أم استبعاد العقل لعدم الإدراك الحسي؟
فأما الأول. فممنوع، لأن الله تعالى على كل شيء قدير. وقد أخرج لقوم صالح ناقة عشراء من جوف الصخرة الصماء، وأنطق الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم.
وأما الثاني: فلا سبيل إليه حتى ينتظر إدراكه وتحكيم العقل فيه، فإن الله تعالى قال: * (ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *.
فلم يبق إلا الإيمان أشبه ما يكون بالمغيبات. وإيمان تصديق وإثبات لا تكييف وإدراك وخالق الكائنات أعلم بحالها وبما خلقها عليه.
فيجب أن نؤمن بتسبيح كل ما في السماوات والأرض، وإن كان مستغربا عقلا، ولكن أخبر به خالقه سبحانه، وشاهدنا المثال مسموعا من بعض أفراده. قوله تعالى: * (هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم) *. أجمع المفسرون أنها في بني النضير، إلا قولا للحسن أنها في بني قريظة، ورد هذا القول بأن بني قريظة لم يخرجوا ولم يجلوا ولكن قتلوا.
وقد سميت هذه السورة بسورة بني النضير، حكاه القرطبي عن ابن عباس.
قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس سورة الحشر قال: قل سورة النضير، وهم رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلام نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل، انتظارا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
واتفق المفسرون على أن بني النضير كانوا قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعته في التوراة، لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا. فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة، فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة، فأخبر جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمر
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»