تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٧
للمبالغة في الإلزام والتبكيت * (أزواجا) * قال الزجاج وغيره مزدوجين ذكرا وأنثى ليتسنى التناسل وينتظم أمر المعاش وقيل أصنافا في اللون والصورة واللسان وقيل يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجا الخلق من منيين مني الرجل ومني المرأة والمعنى خلقنا كل واحد منكم * (أزواجا) * باعتبار مادته التي هي عبارة عن منيين فيكون هلقناكم * (أزواجا) * من قبيل مقابلة الجمع بالجمع وتوزيع الأفراد على الأفراد وهو خلاف الظاهر جدا ولا داعي إليه.
* (وجعلنا نومكم سباتا) * * (وجعلنا نومكم سباتا) * أي كالسبات ففي الكلام تشبيه بليغ كما تقدم والمراد بالسبات الموت وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ووجه تشبيه النوم ظاهر وعلى ذلك قوله تعالى: * (وهو الذي يتوفاكم بالليل) * وهو على بناء الأدواء مشتق من السبت بمعنى القطع لما فيه من قطع العمل والحركة ويقال سبت شعره إذا حلقه وأنفه إذا اصطلمه وزعم ابن الأنباري كما في الدور أنه لم يسمع السبت بمعنى القطع وكأنه كان أصم وقيل أصل السبت التمدد كالبسط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتعد والامتنان به لما فيه من عدم الانزعاج وجوز بعضهم حمله على النوم الخفيف بناء على ما في " القاموس " من إطلاقه عليه على أن المعنى * (جعلنا نومكم) * نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم وفي " البحر " سباتا أي سكونا ورواحة يقال سبت الرجل إذا استراح وزعم ابن الانباري أيضا عدم سماع سبت بهذا المعنى ورد عليه المرتضى بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الإحصاص فإن في ذلك راحة القوى الحيوانية مما عراها في اليقظة من الكلام ومنه سمي اليوم المعروف سبتا لفراغ وراحة لهم فيه وقيل سمي بذلك لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكر عز وجل فقطع عمله سبحانه يوم السبت فسمي بذلك واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى.
* (وجعلنا اليل لباسا) * * (وجعلنا الليل) * الذي يقع فيه النوم غالبا * (لباسا) * يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد بهذا اللباس المشبه به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فإن شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد ادخل واختار غير واحد إرادة الأعم وإن المعنى جعلناه ساترا لكم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو أو بياتا له أو خفاه ما لا تحبون الإطلاع عليه من كثير من الأمور وقد عد المتنبي من نعم الليل البيات على الأعداء والفوز بزيارة المحبوب واللقاء مكذبا ما اشتهر من مذهب المانوية من أن الخير منسوب إلى النور والشر إلى الظلمة بالمعنى المعروف فقال: وكم لظلام الليل عندي من يد * تخبر أن المانوية تكذب وقاك ردى الأعداء تسري إليهم * وزارك فيه ذو الدلال المحجب وقال بعضهم يمكن أن يحمل كون الليل كاللباس على كونه كاللباس لليوم في سهولة أخراجه ومنه ولا يخفى بعده ومما يقضي منه العجب استدلال بعضهم بهذه الآية على أن من صلى عريانا في ليل أو ظلمة فصلاته صحيحة ولعمري لقد أتى بعري عن لباس التحقيق على من أرشق عليه ضياء الحق الحقيق.
* (وجعلنا النهار معاشا) * * (وجعلنا النهار معاشا) * مصدر ميمي بمعنى العيش وهو الحياة المختصة بالحيوان على ما قال الراغب دون العامة لحياة الملك مثلا ووقع هنا ظرفا كما قيل في نحو أتيتك خفوق النجم وطلوع الفجر وجوز أن يكون اسم زمان وتعقب بأنه لم يثبت مجيئه كذلك في اللغة والمعنى وجعلنا النها روقت معاش أي حياة تبعثون فيه من نومكم الذي هو أخو الموت وكأنه لما جعل سبحانه النوم موتا مجازا جعل جل شأنه اليقظة معاشا كذلك لكن أوثر النهار ليناسب المتوسط وقيل المعنى وجعلنا النهار وقت معاض تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به وهو أنسب بجعل السبات فيما تقدم بمعنى القطع عن الحركة على ما قيل ولا يخفى حسن ذكر جعل الليل لباسا بعد جعل النوم سباتا وهو مشير إلى حكمة جعل النوم
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»