تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٧
في الأكثر ومنهم من ادعى الوقوع ظنا ومنهم من جزم بالوقوع، وقيل: إنه الأصح عند الأصوليين ومنهم من توقف، والبحث فيها مستوفى في أصول الفقه، والذي نقوله هنا: إن الاستدلال بالآية على منعه لا يكاد يتم وأقل ما يقال فيه: إنه استدلال بما فيه احتمال، وقوله تعالى:
* (فاطر السم‍اوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانع‍ام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *.
* (فاطر السموات والأرض) * خبر آخر لذلكم أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو فاطر أو صفة لربي أو بدل منه أو مبتدأ خبره * (جعل لكم) * وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما بالجر على أنه بدل من ضمير * (إليه) * أو * (عليه) * أو وصف للاسم الجليل في قوله تعالى: * (إلى الله) * وما بينهما جملة معترضة بين الصفة والموصوف وقد تقدم معنى * (فاطر) * وجعل أي خلق * (من أنفسكم) * من جنسكم * (أزواجا) * نساء.
وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة * (ومن الأنعام أزواجا) * أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا كما خلق لكم من أنفسكم أزواجا ففيه جملة مقدرة لدلالة القرينة أو وخلق لكم من الأنعام أصنافا أو ذكورا وإناثا * (يذرؤكم) * يكثركم يقال ذرأ الله تعالى الخلق بثهم وكثرهم والذرء والذر إخوان * (فيه) * أي فيما ذكر من التدبير وهو أن جعل سبحانه للناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد وجعل التكثر في هذا الجعل لوقوعه في خلاله وأثنائه فهو كالمنبع له، ويجوز أن تكون في للسببية وغلب في * (يذرؤكم) * المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل فهناك تغليب واحد استمل على جهتي تغليب وذلك لأن الأنعام غائب غير عاقل فإذا ادخلت في خطاب العقلاء كان فيه تغليب العقل والخطاب معا، وهذا التغليب - أعني التغليب لأجل الخطاب والعقل - من الأحكام ذات العلتين وهما هنا الخطاب والعقل وهذا هو الذي عناه جار الله وهو مما لا بأس فيه لأن العلة ليست حقيقية، وزعم ابن المنير أن الصحيح أنهما حكمان متباينان غير متداخلين أحدهما. مجيئه على نعت ضمير العقلاء أعم من كونه مخاطبا أو غائبا. والثاني مجيئه بعد ذلك على نعت الخطاب فالأول لتغليب العقل والثاني لتغليب الخطاب ليس بشيء ولا يحتاج إليه، وكلام صاحب المفتاح يحتمل اعتبار تغليبين. أحدهما تغليب المخاطبين على الغيب. وثانيهما تغليب العقلاء على ما لا يعقل، وقال الطيبي: إن المقام يأبى ذلك لأنه يؤدي إلى أن الأصل يذرؤكم ويذرؤها ويذرؤكن ويذرؤها لكن الأصل يذرؤكم ويذرؤها لا غير لأن - كم - في * (يذرؤكم) * هو كما * (في جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * بعينه لكن غلب ههنا على الغيب فليس في يذرؤكم إلا تغليب واحد انتهى، ثم أنه لا ينبغي أن يقال: إن التذرئة حكم علل في الآية بعلتين: احداهما جعل الناس أزواجا. والثانية جعل الأنعام أزواجا ويجوز أن يكون هو الذي عناه جار الله لأن الحكم هو البث المطلق وعلته المجموع وإن جعل كل جزء منه علة فكل بث حكم أيضا فأين الحكم الواحد المتعدد علته فافهم، وعن ابن عباس أن معنى * (يذرؤكم) * فيه يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها، وقريب منه قول ابن زيد يرزقكم فيه، والظاهر عليه أن الضمير لجعل الأزواج من الأنعام.
وقال مجاهد أي يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن، ويتبادر منه أن الضمير للجعل المفهوم من * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * ويجوز أن يكون كما في الوجه الأول ويفهم منه أن الذرء أخص من الخلق وبه صرح ابن عطية قال: ولفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق وهو توالى الطبقات على مر الزمان، وقال العتبي: ضمير * (فيه) * للبطن لأنه في حكم المذكور والمراد يخلقكم في بطون الأناث، وفي رواية عن ابن زيد أنه لما خلق من السموات والأرض، وهو كما ترى ومثله ما قبله والله تعالى أعلم * (ليس كمثله شيء) * نفى للمشابهة من كل وجه ويدخل في
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»