تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٤
من قال: المتحسر الرجل ومن قال المتحسر الرسل عني أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل، في كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعول على شيء مما ذكر، وجوز أن يكون التحسر منه سبحانه وتعالى مجازا عن استعظام ما جنوه على أنفسهم، وأيد بأنه قرىء * (يا حسرتا على العباد) * فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألقا، ونحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه * (يا حسرة على العباد) * بغير تنوين فإن الأصل أيضا يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف واكتفى عنها بالفتحة، وقرأ أبو الزناد. وابن هرمز. وابن جندب * (يا حسرة على العباد) * بالهاء الساكنة، قال في المنتقى: وقف * (على حسره) * وقفا طويلا تعظيما للأمر ثم قيل * (على العباد) *.
وفي اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه، ثم وصلوه على تلك الحال.
وقال الطيبي: إن العرب إذا أخبرت عن الشيء غير معتد به أسرعت فيه ولم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فانتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الإجابة، ولا يخفى أن هذا لا يناسب المقام، وينبغي على هذه القراءة أن لا يكون * (على العباد) * متعلقا بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقا بمضمر يدل عليه * (حسرة) * نحو يتحسر أو أتحسر على العباد، وتقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد وتخريج قراءة * (يا حسرتا) * بالألف على هذا الطرز بأن يقال: قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف كان الله على كل شيء قديرا، وضرب زيد عمرا ليس بشيء ولو سلم أنه شيء لا ينافي التأييد، وقيل * (يا) * للنداء والمنادي محذوف و * (حسرة) * مفعول مطلق لفعل مضمر و * (على العباد) * متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد.
ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه.
وقوله تعالى: * (ما يأتيهم) * الخ استئناف لبيان ما يتحسر منه، و * (به) * متعلق بيستهزؤون. وقدم عليه للحصر الادعائي وجوز أن يكون لمراعاة الفواصل.
* (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) *.
* (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون) * الضمير لأهل مكة والاستفهام للتقرير وكم خبرية في موضع نصب بأهلكنا و * (من القرون) * بيان لكم، وجوز بعض المتأخرين كون * (كم) * مبتدأ والجملة بعده خبره وهو كلام من لا خبر عنده والجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها و * (كم) * معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها وإن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسما مضافا نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب وابن كم رئيس صحبته.
وحكى الأخفش على ما في الحبر جواز تقدم عامل عليها غير ذلك عن بعضهم نحو ملكت كم غلام أي ملكت كثيرا من الغلمان عاملوها معاملة كثير؛ والرؤية علمية لا بصرية خلافا لابن عطية لأنها لا تعلق على المشهور ولأن أهل مكة لم يحضروا إهلاك من قبلهم حتى يروه بل علموه بالأخبار ومشاهدة الآثار، والقرون جمع قرن وهم القوم المقترنون في زمن واحد كعاد وثمود وغيرهم * (أنهم) * الضمير عائد على معنى * (كم) * وهي القرون أي إن القرون المهلكين * (إليهم) * أي إلى أهل مكة * (لا يرجعون) * وأن وما بعدها في تأويل المفرد
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»