تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٩
اتقوا مثل عذابهم * (وما خلفكم) * أي عذاب الآخرة، وقال مجاهد في رواية عكس ذلك، وجاء عنه في رواية أخرى ما بين أيديهم ما تقدم من ذنوبهم وما خلفهم ما يأتي منها، وعن الحسن مثله، وقيل ما بين أيديهم نوازل السماء وما خلفهم نوائب الأرض، وقيل ما بين أيديهم المكاره من حيث يحسبون وما خلفهم المكاره من حيث لا يحتسبون، وحاصل الأمر على ما قيل اتقوا العذاب أو اتقوا ما يترتب العذاب عليه * (لعلكم ترحمون) * حال من واو اتقوا أو غاية له راجعين أن ترحموا أو كي ترحموا، وفسرت الرحمة بالانجاء من العذاب، وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى:
* (وما تأتيهم من ءاية من ءاي‍ات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) *.
* (وما تأتيهم من ءاية من ءايات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) * انفهاما بينا، أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص، وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن أيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه، وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لآية، وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترأوا عليه في حقها، والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والإيمان وإيتاؤها نزول الوحي بها أي ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآية الثلاث المعدودة آنفا وإيتاؤها ظهورها لهم أي ما ظرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاريكن للنظر الصحيح فيما المؤدي إلى الإيمان به عز وجل. وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الأعراض حسب استمرار إتيان الآيات، و * (عن) * متعلقة بمعرضين قدمت عليه للحصر الإدعائي مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عما عم عليه من الكفر وقيل لرعاية الفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما تأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال اعراضهم عنها.
وجملة * (وما تأتيهم) * الخ - على ما يشعر به كلام الكشاف - تذييل يؤكد ما سبق من حديث الاعراض، وإلى كونه تذييلا ذهب الخفاجي ثم قال: فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل.
* (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين ءامنوا أنطعم من لو يشآء الله أطعمه إن أنتم إلا فى ضل‍ال مبين) *.
* (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) * أي أعطاكم سبحانه بطريق التفضل والانعام من أنواع الأموال، وعبر بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77) وتنبيها على عظم جنايتهم في ترك الامتثال بالأمر، وكذلك الاتيان بمن التبعيضية، والكلام على ما قيل لذمهم على ترك الشفقة على خلق الله تعالى أثر ذمهم على ترك تعظيمه عز وجل بترك التقوى، وفي ذلك إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف لأنها كلها ترجع إلى أمرين التعظيم لله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه، وقيل هو للإشارة إلى عدم مبالاتهم بنصح الناصح وإرشاده إياهم إلى مايدفع
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»