تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٦٤
ينكر وقوعه ولو مكابرة فأكد الحكم بوقوعه لذلك ولا يضر في ذلك عدم الكراهة في بعض لخصوصية فيه كسيد العالمين صلى الله عليه وسلم.
* (ثم إنكم يوم القي‍امة عند ربكم تختصمون) *.
* (ثم إنكم) * على تغليب المخاطب على الغيب.
* (يوم القيامة عند ربكم) * أي مالك أموركم * (تختصمون) * فتحتج أنت عليهم بأنك بلغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في دعوتهم إلى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد ويعتذرون بالأباطيل مثل * (أطعنا سادتنا) * (الأحزاب: 67) و * (وجدنا آباءنا) * (الأنبياء: 53) * (وغلبت علينا شقوتنا) * (المؤمنون: 106) والجمع بين * (يوم القيامة) * (البقرة: 85) و * (عند ربكم) * (البقرة: 76) لزيادة التهويل ببيان أن اختصامهم ذلك في يوم عظيم عند مالك لأمورهم نافذ حكمه فيهم ولو اكتفى بالأول لاحتمل وقوع الاختصام فيما بينهم بدون مرافعة أو بمرافعة لكن ليست لدى مالك لأمورهم، والاكتفاء بالثاني على تسليم فهم كون ذلك يوم القيامة معه بدون الاحتمال لا يقوم مقام ذكرهما لما في التصريح بما هو كالعلم من التهويل ما فيه، وقال جمع: المراد بذلك الاختصام العام فيما جرى في الدنيا بين الأنام لا خصوص الاختصام بينه عليه الصلاة والسلام وبين الكفرة الطغام، وفي الآثار ما يأبى الخصوص المذكور.
أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال: نزلت هذه الآية * (إنك ميت) * الخ فقالوا: وما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان بن عفان قالوا هذه خصومة ما بيننا. وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت * (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * كنا نقول: ربنا واحد وديننا واحد فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.
وأخرج عبد بن حميد. والنسائي. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبل * (إنك ميت وإنهم ميتون) * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا، وفي رواية أخرى عنه بلفظ نزلت علينا الآية * (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * (الزمر: 31) وما ندري فيم نزلت قلنا: ليس بيننا خصومة فما التخاصم حتى وقعت الفتنة فقلت: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
وأخرج أحمد. وعبد الرزاق. وعبد بن حميد. والترمذي وصححه. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. وابن مردويه. وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في البعث والنشور عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: * (إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * (الزمر: 30، 31) قلت: يا رسول الله أينكر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب قال: نعم ينكر ذلك عليكم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه قال الزبير: فوالله إن الأمر لشديد.
وزعم الزمخشري أن الوجه الذي يدل عليه كلام الله تعالى هو ما ذكر أولا واستشهد بقوله تعالى: * (فمن أظلم) * (الأنعام: 144) الخ وبقوله سبحانه: * (والذي جاء بالصدق) * (الزمر: 33) الخ لدلالتهما على أنهما اللذان تكون الخصومة بينهما، وكذلك ما سبق من قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا رجلا) * (الزمر؛ 29) الخ. وتعقب ذلك في " الكشف " فقال: أقول قد نقل عن جلة الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ما يدل على أنهم فهموا الوجه الثاني أي العموم بل ظاهر قول النخعي
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 » »»