تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٥
أو استئنافا، وتوحيد وصفها السابق أعني ذات بهجة لما أن المعنى جماعة حدائق ذات بهجة، وهذا شائع في جمع التسكير كقوله تعالى: * (أزواج مطهرة) * (البقرة: 25). وكذلك الحال في ضمير شجرها وقرأ ابن أبي عبلة ذوات بالجمع بهجة بفتح الهاء * (ءال‍اه مع الله) * أي أإله آخر كائن مع الله تعالى الذي ذكر بعض أفعاله التي لا يكاد يقدر عليها غيره حتى يتوهم جعله شريكا له تعالى في العبادة، وهذا تبكيت لهم بنفي الألوهية عما يشركونه به عز وجل في ضمن النفي الكلي على الطريقة البرهانية بعد تبكيتهم بنفي الخيرية عنه بما ذكر من الترديد فإن أحدا ممن له أدنى تمييز كما لا يقدر على إنكار انتفاء الخيرية عنه بالمرة لا يكاد يقدر على إنكار انتفاء الألوهية عنه رأسا لا سيما بعد ملاحظة انتفاء أحكامها عما سواه عز وجل، وكذا الحال في المواقع الأربعة الآتية، وقيل: المراد نفي أن يكون معه تعالى إلى آخر في الخلق، وما عطف عليه لكن لا على أن التبكيت بنفس ذلك النفي فقط فإنهم لا ينكرونه حسبما يدل عليه قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25) بل بإشراكهم به تعالى مايعترفون بعدم مشاركته له سبحانه فيما ذكر من لوازم الألوهية كأنه قيل: أإله آخر مع الله في خواص الألوهية حتى يجعل شريكا له تعالى في العبادة، وقيل: المعنى أغيره يقرن به سبحانه ويجعل له شريكا في العبادة مع تفرده جل شأنه بالخلق والتكوين. فالإنكار للتوبيخ والتبكيت مع تحقق المنكر دون النفي كما في الوجهين السابقين، ورجح بأنه الأظهر الموافق لقوله تعالى: * (وما كان معه من إله) * (المؤمنون: 91) والأوفى بحق المقام لإفادته نفي وجود إله آخر معه تعالى رأسا لا نفي معيته في الخلق وفروعه فقط. وقرأ هشام عن ابن عامر آاله بتوسيط مدة بين الهمزتين وإخراج الثانية بين بين، وقرأ أبو عمرو. ونافع. وابن كثير أإلها بالنصب على إضمار فعل يناسب المقام مثل أتجعلون. أو أتدعون. أو أتشركون.
* (بل هم قوم يعدلون) * إضراب وانتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب إلى بيان سوء حالهم وحكايته لغيرهم و * (يعدلون) * من العدول بمعنى الانحراف أي بل هم قوم عادتهم العدول عن طريق الحق بالكلية والانحراف عن الاستقامة في كل أمر من الأمور فلذلك يفعلون ما يفعلون من العدول عن الحق الواضح الذي هو التوحيد والعكوف على الباطل البين الذي هو الإشراك، وقيل: من العدل بمعنى المساواة أي يساوون به غيره تعالى من آلهتهم، وروى ذلك عن ابن زيد، والأول أنسب بما قبله، وقيل: الكلام عليه خال عن الفائدة.
* (أمن جعل الارض قرارا وجعل خلالهآ أنهارا وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين حاجزا أءل‍اه مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) * * (أمن جعل الأرض قرارا) * أي جعلها بحيث يستقر عليها الإنسان والدواب بإبداء بعضها من الماء ودحوها وتسويتها حسبما يدور عليه منافعهم - فقرارا - بمعنى مستقرا لا بمعنى قارة غير مضطربة كما زعم الطبرسي فإن الفائد على ذلك أتم، والجعل إن كان تصييريا فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة، وجملة قوله تعالى: * (أمن جعل) * الخ على ما قيل: بدل من قوله سبحانه: * (أمن خلق السموات) * (النمل: 60) إلى آخر ما بعدها من الجمل الثلاث وحكم الكل واحد، وقال بعض الأجلة: الأظهر أن كل واحدة منها إضراب وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر داخل في الإلزام بجهة من الجهات، وإلى الإبدال ذهب " صاحب الكشاف "، وسننقل إن شاء الله تعالى عن " صاحب الكشاف " ما فيه الكشف عن وجهه * (وجعل خل‍الها) * أي أوساطها جمع خلل، وأصله الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال من قوله تعالى: * (أنه‍ارا) * وساغ ذلك مع كونه نكرة لتقدم الحال أو المفعول الثاني - لجعل - و * (أنهارا) * هو المفعول الأول، والمراد بالأنهار ما يجري فيها لا المحل
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»