تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٤
أن دلالة النظم الكريم على إرادة وهم جاهلون ليست بواضحة.
وقال الكرماني: التدارك التتابع، والمراد بالعلم هنا الحكم والقول؛ والمعنى بل تتابع منهم القول والحكم في الآخرة وكثر منهم الخوض فيها، فنفاها بعضهم. وشك فيها بعضهم واستبعدها بعضهم وفيه ما فيه.
وقيل: إن في الآخرة متعلق - بادارك - وإليه ذهب الزجاج. والطبرسي، واقتضته بعض الآثار المروية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمعنى على هذا عند بعضهم بل استحكم في الآخرة علمهم بما جهلوه في الدنيا حيث رأوا ذلك عيانا، وكان الظاهر يدارك بصيغة الاستقبال إلا أنه عبر بصيغة الماضي لتحقق الوقوع.
وقيل: التدارك عليه من تداركت أمر فلان إذا تلافيته، ومفعوله هنا محذوف أي بل تدارك في الآخرة علمهم ما جهلوه في الدنيا أي تلافاه، وحاصل المعنى بل علموا ذلك في الآخرة حين لم ينفعهم العلم، والتعبير بصيغة الماضي على ما علمت، ولا يخفى أن في وجه ترتيب الإضرابات الثلاث حسب ما في " النظم الكريم " على هذين الوجهين خفاءا فتدبر.
وقرأ أبي أم - تدارك - على الأصل وجعل - أم - بدل * (بل) *، وقرأ سليمان بن يسار بل أدرك بنقل حركة الهمزة إلى اللام وشد الدال بناءا على وزنه افتعل، فأدغم الدال وهي فاء الكلمة في التاء بعد قلبها دالا فصار فيه قلب الثاني للأول كما في قولهم: أثرد وأصله اثترد من الثرد، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام بل، وقرأ أبو رجاء. والأعرج. وشيبة. وطلحة. وتوبة العنبري كذلك إلا أنهم كسروا لام * (بل) *، وروي ذلك عن ابن عياش. وعاصم. والأعمش.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وأبو جعفر. وأهل مكة - بل أدرك - على وزن أفعل بمعنى تفاعل، ورويت عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ عبد الله في رواية. وابن عباس في رواية أبي حيوة. وغيره عنه. والحسن. وقتادة. وابن محيصن - بل آدرك - بمدة بعد همزة الاستفهام، وأصله أأدرك فقلبت الثانية ألفا تخفيفا كراهة الجمع بين همزتين، وأنكر أبو بكر بن أبي العلاء هذه الرواية، وقال أبو حاتم: لا يجوز الاستفهام بعد * (بل) * لأن بل للإيجاب، والاستفهام في هذا الموضع إنكار بمعنى لم يكن كما في قوله تعالى: * (أشهدوا خلقهم) * أي لم يشهدوا خلقهم فلا يصح وقوعهما معا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار اه‍.
وقد أجاز بعض المتأخرين - كما قال أبو حيان - الاستفهام بعد * (بل) * وشبهه بقول القائل: أخبزا أكلت، بل أماءا شربت على ترك الكلام الأول والأخذ في الثاني، وقرأ مجاهد - أم أدرك - جعل أم بدل * (بل) * وأدرك على وزن أفعل، وقرأ ابن عباس في رواية أيضا * (بل أدارك) * بهمزة داخلة على * (ادارك) * فتسقط همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام والنطق بالساكن، وقرأ ابن مسعود أيضا بل أأدرك بهمزتين همزة الاستفهام وهمزة أفعل، وقرأ الحسن أيضا. والأعرج - بل أدرك - بهمزة، وإدغام فاء الكلمة وهي الدال في فاء افتعل بعد صيرورة التاء دالا، وقرأ ورش في رواية - بل ادرك - بحذف همزة أدرك، ونقل حركتها إلى اللام، وقرأ ابن عباس أيضا - بلى أدرك - بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي، وقرأ - بل آأدارك - بألف بين الهمزتين، فهذه عدة قراآت فما فيه منها استفهام صريح أو مضمن فهو إنكار ونفي، وما فيه بلى فقد قال فيه أبو حاتم: إن كان بلى جوابا لكلام تقدم جاز أن يستأنف بعده كأن قوما أنكروا ما تقدم من القدرة
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»