تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٩٧
لم يزل متضمنا لمنافع جليلة في الدارين، وأما فيما نحن فيه فأين حديث النسائك من حديث تعداد الآيات والنعم الدالة على كمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ولعمري أن شرعية النسائك لكل أمة وإن كانت من الرحمة والنعمة لكن النظر إلى المجانسة بين النعم وما سيق له الكلام فالحالة مقتضية للقطع، وذكره ههنا لهذه المناسبة على نحو خفي ضيق اه‍، وهو حسن وظاهره تفسير النسك بالذبح.
وذكر الطيبي أن ما تقدم عطف على قوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * (الحج: 32) الخ وهو من تتمة الكلام مع المؤمنين أي الأمر ذلك والمطلوب تعظيم شعائر الله تعالى وليس هذا مما يختص بكم إذ كل أمة مخصوصة بنسك وعبادة.
وهذه الآية مقدمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يوجب نزاع القوم تسلية له وتعظيم لأمره حيث جعل أمره منسكا ودينا يعني شأنك وشأن أمثالك من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ترك المنازعة مع الجهال وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى النزاع وملازمة الدعوة إلى التوحيد أو لكل أمة من الأمم الخالية المعاندة جعلنا طريقا ودينا هم ناسكوه فلا ينازعنك هؤلاء المجادلة. سمي دأبهم نسكا لإيجابهم ذلك على أنفسهم واستمرارهم عليه تهكما بهم ومسلاة لرسوله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم، وأما اتصاله بما سبق من الآيات فإن قوله تعالى: * (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) * (الحج: 55) يوجب القلع عن إنذار القوم والإياس منهم ومتاركتهم والآيات المتخللة كالتأكيد لمعنى التسلية فجىء بقوله تعالى: * (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك) * تحريضا له عليه الصلاة والسلام على التأسي بالأنبياء السالفة في متاركة القوم والإمساك عن مجادلتهم بعد الإياس من إيمانهم وينصره قوله تعالى: * (الله يحكم بينكم يوم القيامة) * (الحج: 69) فالربط على طريقة الاستئناف وهو أقوى من الربط اللفظي. والذي يدور عليه قطب هذه السورة الكريمة الكلام في مجادلة القوم ومعانديهم والنعي عليهم بشدة شكيمتهم ألا ترى كيف افتتحها بقوله سبحانه: * (ومن الناس من يجادل في الله) * (الحج: 3) وكررها وجعلها أصلا للمعنى المهتم به وكلما شرع في أمر كر إليه تثبيتا لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ومسلاة لصدره الشريف عليه الصلاة والسلام فلا يقال: إن هذه الآية واقعة مع أباعد عن معناها انتهى، ولعمري أنه أبعد عن ربوع التحقيق وفسر الآية الكريمة بما لا يليق. وقد تعقب في " الكشف " اتصاله بما ذكر بأنه لا وجه له فقد تخلل ما لا يصلح لتأكيد معنى التسلية المذكورة أعني قوله تعالى: * (ومن عاقب) * الآيات لا سيما على ما آثره من جعلها في المقاتلين في الشهر الحرام ولو سلم فلا مدخل للاستئناف وهو تمهيد لما بعده أعني قوله تعالى: * (فلا ينازعنك) * الخ، وأما قوله والذي يدور عليه الخ فهو مسلم وهو عليه لا له فتأمل والله تعالى الموفق للصواب.
* (وادع) * أي وادع هؤلاء المنازعين أو الناس كافة على أنهم داخلون فيهم دخولا أوليا * (إلى ربك) * إلى توحيده وعبادته حسبما بين في منسكهم وشريعتهم * (إنك لعلى هدى) * أي طريق موصل إلى الحق ففيه استعارة مكنية وتخييليتها على، وقوله تعالى: * (مستقيم) * أي سوي أو أحدهما تخييل والآخر ترشيح، ثم المراد بهذا الطريق إما الدين والشريعة أو أدلتها، والجملة استئناف في موضوع التعليل.
* (وإن ج‍ادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) *.
* (وإن جادلوك) * في أمر الدين وقد ظهر الحق ولزمت الحجة * (فقل) * لهم على سبيل الوعيد
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»