تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٦
أبوا أن يطعموهما لأن الكريم قد يرد السائل المستطعم ولا يعاب كما إذا رد غريبا استضافه بل لا يكاد يرد الضيف إلا لئيم، ومن أعظم هجاء العرب فلان يطرد الضيف، وعن قتادة شر القرى التي لا يضاف فيها الضيف ولا يعرف لابن السبيل حقه.
وقال زين الدين الموصلي إنما خص سبحانه الاستطعام بموسى والخضر عليهما السلام والضيافة بالأهل لأن الاستطعام وظيفة السائل والضيافة وظيفة المسؤول لأن العرف يقضي بذلك فيدعو المقيم القادم إلى منزله يسأله ويحمله إليه انتهى، وهو كما ترى. ومما يضحك منه العقلاء ما نقله النيسابوري وغيره أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا وأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل من ذهب فقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء من * (أبوا) * تاء فأبى عليه الصلاة والسلام، وبعضهم يحكي وقوع هذه القصة في زمن علي كرم الله تعالى وجهه ولا أصل لشيء من ذلك، وعلى فرض الصحة يعلم منه قلة عقول أهل القرية في الإسلام كما علم لؤمهم من القرآن والسنة من قبل * (فوجدا) * عطف كما قال السبكي على * (أتيا) * * (فيها جدارا) * روى أنهما التجآ إليه حيث لم يجدا مأوى وكانت ليلتهما ليلة باردة وكان على شارع الطريق * (يريد أن ينقض) * أي يسقط وماضيه انقض على وزن انفعل نحو انجر والنون زائدة لأنه من قضضته بمعنى كسرته لكن لما كان المنكسر يتساقط قيل الانقضاض السقوط، والمشهور أنه السقوط بسرعة كانقضاض الكوكب والطير، قال صاحب اللوامح: هو من القضة وهي الحصى الصغار، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى فعلى هذا المعنى يريد أن يتفتت فيصير حصى انتهى.
وذكر أبو علي في الإيضاح أن وزنه افعل من النقض كأحمر، وقال السهيلي في " الروض " هو غلط وتحقيق ذلك في محله. والنون على هذا أصلية، والمراد من إرادة السقوط قربه من ذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة تسبب إرادة السقوط لقربه أو على سبيل الاستعارة بأن يشبه قرب السقوط بالإرادة لما فيهما من الميل، ويجوز أن يعتبر في الكلام استعارة مكنية وتخييلية، وقد كثر في كلامهم إسناد ما يكون من أفعال العقلاء إلى غيرهم ومن ذلك قوله: يريد الرمح صدر أبي براء * ويعدل عن دماء بني عقيل وقول حسان رضي الله تعالى عنه: إن دهرا يلف شملي بجمل * لزمان يهم بالإحسان وقول الآخر: أبت الروادف والثدي لقمصها * مس البطون وإن تمس ظهورا وقول أبي نواس: فاستنطق العود قد طال السكوت به * لا ينطق اللهو حتى ينطق العود إلى ما لا يحصى كثرة حتى قيل: إن من له أدنى اطلاع على كلام العرب لا يحتاج إلى شاهد على هذا المطلب.
ونقل بعض أهل أصول الفقه عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني أنه ينكر وقوع المجاز في القرآن فيؤول الآية بأن الضمير في يريد للخضر أو لموسى عليهما السلام، وجوز أن يكون الفاعل الجدار وأن الله تعالى خلق فيه حياة وإرادة والكل تكلف وتعسف تغسل به بلاغة الكلام.
وقال أبو حيان: لعل النقل لا يصح عن الرجل وكيف يقول ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدي في النظم والنثر، وقرأ أبي * (ينقض) * بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنيا للمفعول، وفي حرف عبد الله وقراءة الأعمش
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»