تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٨٢
لأن كون ذلك نهاية باعتبار أن النصف الأول انتهى عنده وهو خارج عنه وبداية باعتبار أن النصف الثاني ابتدأ منه وهو داخل فيه، ولا شك في بعض كون الجمع بمثل هذا الاعتبار على أنه لا بد مع ذلك من القول بأن أقل الجمع اثنان، وأيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفا له بل لنصفه.
وقيل: هذا تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إيذانا باختصاصهما بمزيد مزية، والمراد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها وبالطرف ما يلاصق أول الشيء وآخره، والاتيان بلفظ الجمع مع أن المراد إثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان، ونظيره قول العجاج: ومهمهين فدفدين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين والمرجح المشاكلة لآناء الليل، واختار هذا من أدخل الظهر فيما قبل الغروب، وفيه أن الطرف حقيقة فيما ينتهي به الشيء وهو منه ويطلق على أوله وآخره وإطلاقه على الملاصق المذكور ليس بحقيقة، وأجيب بأنه سائغ شائع وإن لم يكن حقيقة؛ وجوز أن يكون تكريرا لصلاتي الصبح والعصر ويراد بالنهار ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وبالطرف الأول، والآخر بحسب العرف وإذا أريد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها يبعد هذا التجويز إذ لا يكون الطرفان حينئذ على وتيرة واحدة، وقيل: هو أمر بالتطوع في الساعات الأخيرة للنهار وفيه صرف الأمر عن ظاهره مع أن في كون الساعات الأخيرة للنهار زمن تطوع باللاصة كلاما لا يخفى على الفقيه.
وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك) * (طه: 103) أمر بالتسبيح مقرونا بالحمد وحينئذ إما أن يراد اللفظ أي قل - سبحانه الله والحمد لله - أو يراد المعنى أي نزهه سبحانه عن السوء وأثن عليه بالجميل.
وفي خبر ذكره ابن عطية " من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه " وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل ذلك على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات وعلى ذلك حمله أيضا العز بن عبد السلام وجعل الباء في قوله سبحانه: * (بحمد ربك) * للآلة، وقال: إن ذلك لتعيين سلب صفات النقص لأن من سلب شيئا فقد أثبت ضده وأشداد صفات النقص صفات الكمال فمن نزهه سبحانه فقد أثبت صفات الكمال، وجوز في إضافة الحمد إلى الرب أن تكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أو من إضافة المصدر إلى المفعول أو من إضافة الاختصاص بأن يكون الحمد بمعنى المحامد؛ ثم استحسن الأول لأن الحمد الحق الكامل حمد الله تعالى نفسه، والمتبادر جعل الباء للملابسة والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول.
واختار الإمام حمل التسبيح على التنزيه من الشرك، وقال: إنه أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه سبحانه صبره أولا على ما يقولون من التكذيب وإظهار الكفر والشرك والذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه تعالى عن قولهم: حتى يكون مظهرا لذلك وداعيا إليه. واعترض بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر، وأجيب بأن المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله تعالى: * (بالغداة والعشي) * (الأنعام: 52) مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى. ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله سبحانه * (من آناء الليل) * على أن هذه الدلالة يكفيها أن يقال: قبل طلوع الشمس وبعده لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أن المراد خصوصية الوقت، ولا يخفى أن قوله سبحانه: * (من آناء الليل) * متعلق بسبح الثاني فليكن الأول للتعميم، والثاني لتخصيص البعض اعتناء به، نعم يرد أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخيصه إلا إذا أريد به قول: سبحانه الله مرادا
(٢٨٢)
مفاتيح البحث: العزّة (1)، الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»