تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢
من بيده الحل والعقد والأمر والنهي من أمراء ذلك الزمان المخالفة فافهم، واستدل العلماء بما في القصة حسبما ذكره شراح الحديث وغيرهم على استحباب الرحلة للعلم وفضل طلبه واستحباب استعمال الأدب مع العالم واحترام المشايخ وترك الاعتراض عليهم وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم وحركاتهم وأقوالهم والوفاء بعهودهم والاعتذار عند مخالفتهم وعلى جواز اتخاذ الخادم في السفر وحمل الزاد فيه وإنه لا ينافي التوكل ونسبة النسيان ونحوه من الأمور المكروهة إلى الشيطان مجازا وتأدبا عن نسبتها إلى الله تعالى واعتذار العالم إلى من يريد الأخذ عنه في عدم تعليمه مما لا يحتمله طبعه وتقديم المشيئة في الأمر واشتراط المتبوع على التابع وعلى أن النسيان غير مؤاخذ به وإن للثلاث اعتبارا في التكرار ونحوه وعلى جواز ركوب السفينة وفيه الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لإنكار موسى عليه السلام وعلى جواز أن يطلب الإنسان الطعام عند احتياجه إليه وعلى أن صنع الجميل لا يترك ولو مع اللئام وجواز أخذ الأجر على الأعمال وإن المسكين لا يخرج عن المسكنة بملك آلة يكتسب بها أو بشيء لا يكفيه وإن الغصب حرام وانه يجوز دفن المال في الأرض وفيه إثبات كرامات الأولياء على قول من يقول: الخضر ولي إلى غير ذلك مما يظهر للمتتبع أو للمتأمل، وبالجملة قد تضمنت هذه القصة فوائد كثيرة ومطالب عالية خطيرة فامعن النظر في ذاك والله سبحانه يتولى هداك.
ومن باب الإشارة في الآيات: على ما ذكره بعض أهل الإشارة * (فوجدا عبدا من عبادنا) * فيه إشارة إلى أن الله تعالى خواص أضافهم سبحانه إليه وقطعهم عن غيره وأخص خواصه عز وجل من أضافه إلى الإسم الجليل وهو اسم الذات الجامع لجميع الصفات أو إلى ضمير الغيبة الراجع إليه تعالى وليس ذاك إلا حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم * (أتيناه رحمة من عندنا) * وهي مرتبة القرب منه عز وجل * (وعلمناه من لدنا علما) * (الكهف: 65) وهو العلم الخاص الذي لا يعلم إلا من جهته تعالى، وقال ذو النون: العلم اللدني هو الذي يحكم على الخلق بمواقع التفويق والخذلان.
وقال الجنيد قدس سره: هو الاطلاع على الأسرار من غير ظن فيه ولا خلاف واقع لكنه مكاشفات الأنوار عن مكنون المغيبات ويحصل للعبد إذا حفظ جوارحه عن جميع المخالفات وأفني حركاته عن كل الإرادات وكان سبحا بين يدي الحق بلا تمني ولا مراد، وقيل: هو علم يعرف به الحق سبحانه أولياءه ما فيه صلاح عباده. وقال بعضهم: هو علم غيبي يتعلق بعالم الأفعال وأخص منه الوقوف على بعض سر القدر قبل وقوع واقعته وأخص من ذلك علم الأسماء والنعوت الخاصة وأخص منه علم الذات.
وذكر بعض العارفين أن من العلوم ما لا يعلمه إلا النبي، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج كما ذكره القسطلاني في مواهبه وغيره " وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى فعلم أخذ على كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله أحد غيري وعلم خيرني فيه وعلمني القرآن فكان جبريل عليه السلام يذكرني به وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي " انتهى، والله تعالى علم استأثر به عز وجل لم يطلع عليه أحدا من خلقه * (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) * (الكهف: 66) قاله عن ابتلاء إلهي كما قدمنا، وقال فارس كما في أسرار القرآن: إن موسى عليه السلام كان أعلم من الخضر فيما أخذ عن الله تعالى والخضر كان أعلم من موسى فيما وقع إلى موسى عليه السلام، وقال أيضا: إن موسى كان باقيا بالحق والخضر كان فانيا بالحق * (قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»