تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٥
الصلة غير ما مر تكرير للتنكير وتشديد للعتاب، قيل: ولعل إسناد الإرادة أولا: إلى ضمير المتكلم وحده أنه الفاعل المباشر للتعييب، وثانيا: إلى ضمير المتكلم ومعه غيره لأن إهلاك الغلام بمباشرته وفعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو محض فعل الله تعالى وقدرته فضمير - نا - مشترك بين الله تعالى والخضر عليه السلام. وثالثا: إلى الله تعالى وحده لأنه لا مدخل له عليه السلام في بلوغ الغلامين واعترض توجيه ضمير الجمع بأن الاجتماع المخلوق مع الله تعالى في ضمير واحد لا سيما ضمير المتكلم فيه من ترك الأدب ما فيه. ويدل على ذلك ما جاء من أن ثابت بن قيس بن شماس كان يخطب في مجلسه صلى الله عليه وسلم إذا وردت وفود العرب فاتفق أن قدم وفد تميم فقام خطيبهم وذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطبته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها من يطع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بئس خطيب القوم أنت. وصرح الخطابي أنه عليه الصلاة والسلام كره منه ما فيه من التسوية. وأجيب بأنه قد وقع نحو ذلك في الآيات والأحاديث، فمن ذلك قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي * (فإن الظاهر) * أن ضمير * (يصلون على) * راجع إلى الله تعالى وإلى الملائكة. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الايمان: " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " ولعل ما كرهه صلى الله عليه وسلم من ثابت أنه وقف على قوله بعضهما: لا التسوية في الضمير. وظاهر هذا أنه لاكراهة مطلقا في هذه التسوية وهو أحد الأقوال في في المسألة. وثانيها: ما ذهب إليا الخطابي أنها تكره تنزيها. وثالثها: ما يفهمه كلام الغزالي أنها تكره تحريما. وعلى القول بالكراهة التنزيهية استظهر بعضهم أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام وبنى الجواب عما نحن فيه على ذلك فقال: لما كان المقام الذي قام فيه ثابت مقام خطابة وإطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طري كره صلى الله عليه وسلم التسوية منه فيه وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة للتسوية فيه. وخص بعض الكراهة بغير النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ يقوى الجواب عما ذكر لأنه إذا جازت للنبي صلى الله عليه وسلم فهو في كلام الله تعالى وما حكاه سبحانه بالطريق الأولى. وخلاصة ما قرر في المسألة أن الحق أنه لا كراهة في ذلك في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أشير إليه في " شروح البخاري " وأما في حق البشر فلعل المختار أنه مكروه تنزيها في مقام دون مقام، هذا وأنا لا أقول باشتراك هذا الضمير بين الله تعالى والخضر عليه السلام لا لأن فيه ترك الأدب بل لأن الظاهر أنه كضمير * (خشينا) * والظاهر في ذاك عدم الاشتراك لأنه محوج لارتكاب المجاز على أن النكتة التي ذكروها في اختيار التشريك في ضمير أردنا لا تظهر في اختياره في ضمير * (فخشينا) * لأنه لم يتضمن الكلام الأول فعلين على نحو ما تضمنهما الكلام الثاني فتدبر، وقيل في وجه تغاير الأسلوب: أن الأول شر فلا يليق إسناده إليه سبحانه وأن كان هو الفاعل جل وعلا، والثالث: خير فأفرد إسناده إلى الله عز وجل. والثاني: ممتزج خبره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسند إلى الله تعالى وإلى نفسه نظرا لهما. وفيه أن هذا الإسناد في * (فخشينا) * أيضا وأين امتزاج الخير والشر فيه، وجعل النكتة في التعبير ينافيه مجرد الموافقة لتاليه ليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: الظاهر أنه أسند الإرادة في الأولين إلى نفسه لكنه تفنن في التعبير فعبر عنها بضمير المتكلم مع الغير بعد ما عبر بضمير المتكلم الواحد لأن مرتبة الانضمام مؤخرة عن مرتبة الانفراد مع أن فيه تنبيها على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية بخلاف التعييب. وأسند فعل الإبدال إلى الله
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»