تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٦٠
اصبر نكن بك صابرين وإنما * صبر الرعية عند صبر الرأس قال كل ذلك في إرشاد العقل السليم، وإلى كون الجملة في موضع التعليل لما سبق ذهب العلامة الطيبي حيث قال: إنه تعالى لما أمر حبيبه بالصبر على أذى المخالفين ونهاه عن الحزن على عنادهم وآبائهم الحق وعما يلحقه من مكرهم وخداعهم علل ذلك بقوله سبحانه: * (إن الله) * الخ أي لا تبال بهم وبمكرهم لأن الله تعالى وليك ومحبك وناصرك ومبغضهم وخاذلهم، وعمم الحكم أرشادا للاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وفي تعريض بالمخالفين وبخذلانهم كما صرح به في قوله تعالى: * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) * (محمد: 11) وذكر أن إيراد الجلمة الثانية اسمية وبناء * (محسنون) * على * (هم) * على سبيل التقوى مؤذن باستدامة الإحسان واستحكامه وهو مستلزم لاستمرار التقوى لأن الإحسان إنما يتم إذا لم يعد إلى ما كان عليه من الإساءة، وإليه الإشارة بما ورد " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " وما ذكر من حمل التقوى على أعلى مراتبها غير متعين، وما ذكره في بيانه لا يخلو عن نظركما لا يخفى على المتأمل، وقد أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وغيرهم عن الحسن أنه قال في الآية: اتقوا فيما حرم الله تعالى عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم، ويوهم كلام بعضهم أن اجلملة في موضع التعليل للأمر بالمعاقبة بالمثل حيث قال: إن المعنى إن الله بالعون والحرمة والفضل مع الذين خافوا عقاب الله تعالى وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعد الإسراف في المعاقبة، وفسر الاحسان بترك الاساءة كما قيل: ترك الإساءة احسان وإجمال. ولا يخفى ما فيه من البعد، وقد اشتملت هذه الآيات على تعليم حسن الأدب في الدعوة وترك التعدي والأمر بالصبر على المكروه مع البشارة للمتقين المحسنين، وقد أخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وغيرهما عن هرم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضار: أوصى فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي وأوصيكم بخواتيم سورة النحل هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) * (النحل: 89) أي مما كان وما يكون فيفرق به بين المحق والمبطل والصادق والكاذب والمتبع والمبتدع، وقيل: كل شيء هو النبي صلى الله عليه وسلم كما قيل إنه عليه الصلاة والسلام الإمام في قوله سبحانه: * (وكل شيء أحصيناه في امام مبين) * (يس: 12) * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) * (النحل: 90) قال السيادي: العدل رؤية المنة منه تعالى قديما وحديثا، والإحسان الاستقامة بشرط الوفاء إلى الأبد، وقيل: العدل أن لا يرى العبد فاترا عن طاعة مولاه مع عدم الالتفات إلى العوض، وإيتاء ذي القربى الإحسان إلى ذوي القرابة في المعرفة والمحبة والدين فيخدمهم بالصدق والشفقة ويؤدي إليهم حقهم، والفحشاء الاستهانة بالشريعة، والمنكر الإصرار على الذنب كيفما كان، والبغي ظلم العباد، وقيل: الفحشاء إضافة الأشياء إلى غيره تعالى ملكا وإيجادا * (وأوفوا بعهد الله) * المأخوذ عليكم في عالم الأرواح بالبقاء على حكمه وهو الاعراض عن الغير والتجرد عن العلائق والعوائق في التوجه إليه تعالى إذا عاهدتم أي تذكرتموه بإشراق نور النبي صلى الله عليه وسلم عليكم وتذكيره إياكم؛ قال النصر آبادي: العهود مختلفة فعهد العوام لزوم الظواهر وعهد الخواص حفظ السرائر وعهد خواص الخواص التخلي من الكل لمن له الكل * (ما عندكم) * من الصفات ينفد لمكان الحدوث * (وما عند الله باق) (النحل: 96) لمكان القدم فالعبد الحقيقي من كان فانيا من أوصافه باقيا بما عند الله تعالى كذا في أسرار القرآن * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى) * أي
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 » »»