تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٧
لبيان الفرق بين الفريقين في بيان شأن اتخاذ ما ينفقانه حالا ومآلا وأن ذكر اتخاذه سببا للقربات والصلوات مغن عن التصريح بذلك لكمال العناية بإيمانهم وبيان اتصافهم به وزيادة الاعتناء بتحقق الفرق من أول الأمر، وأما الفريق الأول فاتصافهم بالكفر والنفاق معلوم من سياق النظم الكريم صريحا.
وجوز عطف * (وصلوات) * على * (ما ينفق) * وعليه اقتصر أبو البقاء أي يتخذ ما ينفق وصلوات الرسول عليه الصلاة والسلام قربات * (ألا إنها قربة لهم) * شهادة لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه وتصديق لرجائهم، والضمير إما للنفقة المعلومة مما تقدم أو - لما - التي هي بمعناها فهو راجع لذلك باعتبار المعنى فلذا أنث أو لمراعاة الخبر. وجوز ابن الخازن رجوعه للصلوات والأكثرون على الأول، وتنوين * (قربة) * للتفخيم المغنى عن الجمع أي قربة لا يكتنه كنهها، وفي إيراد الجملة اسمية بحرفي التنبيه والتحقيق من الجزالة ما لا يخفى.
والاقتصار على بيان كونها قربة لهم لأنها الغاية القصوى وصلوات الرسول عليه الصلاة والسلام من ذرائعها وقرىء * (قربة) * بضم الراء للاتباع * (سيدخلهم الله في رحمته) * وعد لهم بإحاطة رحمته سبحانه بهم كما يشعر بذلك * (في) * الدالة على الظرفية وهو في مقابلة الوعيد للفرقة السابقة المشار إليه بقوله تعالى: * (والله سميع عليم) * وفيه تفسير للقربة أيضا، والسين للتحقيق والتأكيد لما تقدم أنها في الإثبات في مقابلة لن في النفي، وقوله سبحانه: * (إن الله غفور رحيم) * تقرير لما تقدم كالدليل عليه، والآية كما أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وأبو الشيخ. وغيرهم عن مجاهد نزلت في بني مقرن من مزينة. وقال الكلبي: في أسلم. وغفار. وجهينة وقيل: نزلت التي قبلها في أسد. وغطفان. وبني تميم وهذه في عبد الله ذي البجادين بن نهم المزنى رضي الله تعالى عنه.
* (والس‍ابقون الاولون من المه‍اجرين والأنص‍ار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جن‍ات تجري تحتها الأنه‍ار خ‍الدين فيهآ أبدا ذالك الفوز العظيم) * * (والسابقون الأولون من المهاجرين) * بيان لفضائل أشراف المسلمين إثر بيان طائفة منهم، والمراد بهم كما روي عن سعيد. وقتادة. وابن سيرين. وجماعة الذين صلوا إلى القبلتين، وقال عطاء بن رباح: هم أهل بدر، وقال الشعبي: هم أهل بيعة الرضوان وكانت بالحديبية، وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة * (والأنصار) * أهل بيعة العقبة الأولى وكانت في سنة إحدى عشرة من البعة وكانوا على ما في بعض الروايات سبعة نفر وأهل بيعة العقبة الثانية وكانت في سنة اثنتي عشرة وكانوا سبعين رجلا وامرأتين. والذين أسلموا حين جاءهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وكان قد أرسله عليه الصلاة والسلام مع أهل العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين * (والذين اتبعوهم باحسان) * أي متلبسين به، والمراد كل خصلة حسنة، وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين على أن * (من) * تبعيضة أو الذين أتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة فالمراد بالسابقين جميع المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم، ومعنى كونهم سابقين أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمون وكثير من الناس ذهب إلى هذا. روي عن حميد بن زياد أنه قال: قلت: يوما لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان بينهم من الفتن فقال لي: إن الله تعالى قد غفر لجميعهم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم فقلت له: في أي موضع أوجب لهم الجنة؟ فقال: سبحان الله الا تقرأ قوله تعالى: * (والسابقون الأولون) * الآية فتعلم أنه تعالى أوجب لجيمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا قلت: وما ذلك الشرط؟ قال: شرط عليهم أن يتبعوهم باحسان وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدوا بهم في غير ذلك أو يقال: هو أن يتبعوهم
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»