تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٤٦
وجعل المدة أربعة أشهر قيل لأنها ثلث السنة والثلث كثير، ونصب العدد على الظرفية لسيحوا أي فسيحوا في أقطار الأرض في أربعة أشهر * (واعلموا أنكم) * لسياحتكم تلك * (غير معجزي الله) * لا تفوتونه سبحانه بالهرب والتحصن * (وأن الله مخزي الك‍افرين) * في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالعذاب المهين، وأظهر الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل أمر الاخزاء وهو الاذلال بما فيه فضيحة وعار، والمراد من الكافرين اما المشركون المخاطبون فيما تقدم والعدول عن مخزيكم إلى ذلك لذمهم بالكفر بعد وصفهم بالاشراك وللاشعار بأن علة الاخزاء هي كفرهم واما الجنس الشامل لهم ولغيرهم ويدخل فيه المخاطبون دخولا أوليا.
* (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برىء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) *.
* (وأذان من الله ورسوله) * أي إعلام وهو فعال بمعنى الأفعال أي إيذان كالأمان والعطاء. ونقل الطبرسي أن أصله من النداء الذي يسمع بالأذن بمعنى أذنته أو صلته إلى أذنه، ورفعه كرفه براءة والجملة معطوفة على مثلها.
وزعم الزجاج أنه عطف على براءة، وتعقب بأنه لا وجه لذلك فإنه لا يقال: أن عمرا معطوف على زيد في قولك: زيد قائم وعمرو قاعد. وذكر العلامة الطيبي أن لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يعطف على براءة على أن يكون من عطف الخبر على الخبر كأنه قيل: هذه السورة براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم خاصة وأذان من الله ورسوله * (إلى الناس) * عامة. نعم الأوجه أن يكون من عطف الجمل لئلا يتخلل بين الخبرين جمل أجنبية ولئلا تفوت المطابقة بين المبتدأ والخبر تذكيرا وتأنيثا، ونظر فيه بعضهم أيضا بأنهم جوزوا في الدار زيد والحجرة عمرو وعدوا ذلك من العطف على معمولي عاملين، وصرحوا بأن نحو زيد قائم وعمرو يحتمل الأمرين، وأجيب بأنه أريد عطف أذان وحده على براءة من غير تعرض لعطف الخبر على الخبر كما في نحو أريد أن يضرب زيد عمرا ويهين بكر خالدا فليس العطف إلا في الفعلين دون معموليهما هذا الذي منعه من منع؛ وإرادة العموم من * (الناس) * هو الذي ذهب إليه أكثر الناس لأن هذا الاذان ليس كالبراءة المختصة بالناكثين بل هو شامل للكفرة وسائر المؤمننين أيضا، وقال قوم: المراد بهم أهل العهد، وقوله سبحانه: * (يوم الحج الأكبر) * منصوب بما تعلق به * (إلى الناس) * لا باذان لأن المصدر الموصوف لا يعمل على المشهور، والمراد به يوم العيد لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ولأن الأعلام كان فيه.
ولما أخرج البخاري تعليقا. وأبو داود. وابن ماجه. وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وابن جبير. وابن زيد. ومجاهد. وغيرهم، وقيل: يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا، وأخرج ابن أبي حاتم عن المسور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن أبي الصهباء أنه سأل عليا كرم الله تعالى وجهه عن هذا اليوم فقال: هو يوم عرفة، وعن مجاهد. وسفيان أنه جميع أيام الحج كما يقال: يوم الجمل. ويوم صفين ويراد باليوم الحين والزمان والأول أقوى رواية ودراية، ووصف بالحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أو لأن المراد بالحج ما وقع في ذلك اليوم من أعماله فانه أكبر من باقي الأعمال فالتفضيل نسبي وغير مخصوص بحج تلك السنة. وعن الحسن أنه وصف بذلك لأنه اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب، وقيل: لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»