تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٢٠
مستمرين على حال مصححة لافاضة نعم الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم كصلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل عليهم السلام فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم غيروها على أسوء حال منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم وقطعوا أرحامهم فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الامهال ووجه إليهم نبال العقاب والنكال، وقيل: إنهم لما كانوا متمكنين من الايمان ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله تعالى: * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * ولا يخلو عن حسن. وجعل بعضهم الإشارة إلى ما حل بهم ثم أنه لما رأى أن انتفاء تغيير الله تعالى حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا وأن العدم ليس سببا للوجود هنا وأيضا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا موجب له بحسب الظاهر قال: إن السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها، وهو جرى عادته سبحانه على التغيير حين غيروا حالهم فالسبب ليس انتفاء التغيير بل التغيير، قيل: وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله تعالى لسبق إنعامه ورحمته ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية، ولا يخفى أن ما ذكرناه أسلم من القيل والقال على أن ما فعله البعض لا يخلو بعد عن مقال فتدبر، وأصل * (يك) * يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بأحرف العلة في أنها من الزوائد وهي تحذف من أحرف المجزوم فلذا حذفت هذه وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله * (وان الله سميع عليم) * عطف على * (أن الله) * الخ داخل معه في حيز التعليل، أي وسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميع ما يأتون ويذرون من الأقوال والأفعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق من إبقاء النعمة وتغييرها. وقرىء * (وإن الله) * بكسر الهمزة فالجملة حينئذ استئناف مقرر لمضمون ما قبله.
* (كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآي‍ات ربهم فأهلكن‍اهم بذنوبهم وأغرقنآ ءال فرعون وكل كانوا ظ‍المين) *.
* (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بئاي‍ات ربهم فأهلكن‍اهم بذنوبهم) * استئناف آخر على ما ذكره بعض المحققين مسوق لتقرير ما سيق له الاستئناف الأول بتشبيه دأبهم بدأب المذكورين لكن لا بطريق التكرير المحض بل بتغيير العنوان وجعل الدأب في الجانبين عبارة عما يلازم معناه الأول من تغيير الحال وتغيير النعمة أخذا مما نطق به قوله تعالى: * (ذلك بأن الله لم يك مغيرا) الخ أي دأب هؤلاء وشأنهم الذي هو عبارة عن التغييرين المذكورين كدأب أولئك حيث غيروا حالهم فغير الله تعالى نعمته عليهم فقوله سبحانه: * (كذبوا بآيات ربهم) * تفسير لدأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم، وأشير بلفظ الرب إلى أن ذلك التغيير كان بكفران نعمه تعالى لما فيه من الدلالة على أنه مربيهم المنعهم عليهم، وقوله سبحانه: * (فاهلكناهم) * تفسير لدأبهم الذي فعل بهم من تغييرهم تعالى ما بهم من نعمته جل شأنه.
وفي الاهلاك رمز إلى التغيير ولذا عبر به دون الأخذ المعبر به أولا وليس الأخذ مثله في ذلك، ألا ترى أنه كثيرا ما يطلق الاهلاك على إخراج الشيء عن نظامه الذي هو عليه ولم نر اطلاق الأخذ على ذلك، وقيل؛ إنما عبر أولا بالأخذ وهنا بالاهلاك لأن جنايتهم هنا الكفران وهو يقتضي أعظم النكال والاهلاك مشير إليه ولا كذلك ما تقدم وفيه نظر، وأما دأب قريش فمستفاد مما ذكر بحكم التشبيه فلله تعالى در التنزيل حيث اكتفى في كل من التشبيهين بتفسير أحد الطرفين، وفي الفرائد أن هذا ليس بتكرير لأن معنى الأول حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر فأخذهم وأتاهم العذاب، ومعنى الثاني حال هؤلاء كحال آل فرعون
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»