تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٩
نحو ما لقيته إلا أكرمني لأن الواو مع إلا تدخل في خبر المبتدأ فكيف بالحال ولم يسمع فيه قد من دون الواو، وقال المرادي في " شرح الألفية " إن الحال المصدرة بالماضي المثبت إذا كان تاليا لئلا يلزمها الضمير والخلو من الواو ويمتنع دخول قد وقوله متى يأت هذا الموت لم تلف حاجة * لنفسي إلا قد قضيت قضاءها نادر، وقد نصر على ذلك الأشموني وغيره أيضا، والظاهر أن امتناع قد بعد إلا فيما ذكر إذا كان الماضي حالا لا مطلقا، وإلا فقد ذكر الشهاب أن الفعل الماضي لا يقع بعد إلا إلا بأحد شرطين إما تقدم فعل كما هنا. وإما مع قد نحو ما زيد إلا قد قام، ولا يجوز ما زيد إلا ضرب، ويعلم مما ذكرنا أن ما وقع في غالب نسخ تفسير مولانا شيخ الإسلام من أن الفعل الماضي لا يقع بعد إلا إلا بأحد شرطين إما تقدير قد كما في هذه الآية أو مقارنة قد كما في قولك: ما زيد إلا قد قام ليس على ما ينبغي بل هو غلط ظاهر كما لا يخفى، والمعنى فيما نحن فيه وما أرسلنا في قرية من القرى المهلكة نبيا من الأنبياء عليهم السلام في حال من الأحوال الإحال كوننا آخذين أهلها * (بالبأساء) * أي بالبؤس والفقر * (والضراء) * بالضر والمرض، وبذلك فسرهما ابن مسعود وهو معنى قول من قال: البأساء في المال والضراء في النفس وليس المراد أن ابتداء الإرسال مقارن للأخذ المذكور بل إنه مستتبع له غير منفك عنه * (لعلهم يضرعون) * أي كي يتضرعوا ويخضعوا ويتوبوا من ذنبهم وينقادوا لأمر الله تعالى.
* (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس ءاباءنا الضرآء والسرآء فأخذن‍اهم بغتة وهم لا يشعرون) *.
* (قم بدلنا) * عطف على أخذنا داخل في حكمه * (مكان السيئة) * التي أصابتهم لما تقدم * (الحسنة) * وهي السعة والسلامة، ونصب * (مكان) * كما قيل على الظرفية و * (بدل) * متضمن معنى أعطى الناصب لمفعولين وهما هنا الضمير المحذوف والحسنة أي أعطيناهم الحسنة في مكان السيئة، ومعنى كونها في مكانها أنها بدل منها. وقال بعض المحققين: الأظهر أن مكان مفعول به لبدلنا لا ظرف، والمعنى بدلنا مكان الحال السيئة الحال الحسنة فالحسنة هي المأخوذة الحاصلة في مكان السيئة المتروكة والمتروك هو الذي تصحبه الباء في نحو بدلت زيدا بعمرو * (حتى عفوا) * أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، وبذلك فسره ابن عباس وغيره من عفا النبات وعفا الشحم والوبر إذا كثرت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " أحفوا الشوارب واعفوا اللحى " وقول الحطيئة: بمستأسد القريان عاف نباته * تساقطني والرحل من صوت هدهد وقوله: ولكنا نعض السيف منها * بأسوق عافيات الشحم كوم وتفسير أبي مسلم له بالإعراض عن الشكر ليس بيانا للمعنى اللغوي كما لا يخفى، * (وحتى) * هذه الداخلة على الماضي ابتدائية لا غائية عند الجمهور، ولا محل للجملة بعدها كما نقل ذلك الجلال السيوطي في " شرح جمع الجوامع " له عن بعض مشايخه، وأما زعم ابن مالك أنها جارة غائية وأن مضمرة بعدها على تأويل المصدر فغلطه فيه أبو حيان وتبعه ابن هشام فقال: لا أعرف له في ذلك سلفا، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة، ولا يشكل عليه ولا على من يقول؛ إن معنى الغاية لازم لحتى ولو كانت ابتدائية أن الماضي لمضيه لا يصلح أن يكون غاية لماقبل لتأخر الغاية عن ذي الغاية لأن الفعل وإن كان ماضيا لكنه بالنسبة إلى ما صار غاية له مستقبل فافهم.
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»