تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٧١
بالمدينة فقام سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنهما فقال: يا رسول الله إيانا تريد؟ قال: أجل. قال: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا إن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ولا نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لنصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، ولعل الله تعالى يريك منا ما يقر به عينيك فسر بنا على بركات الله تعالى فنشطه قوله ثم قال عليه الصلاة والسلام: سيروا على بركة الله تعالى فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم اه‍، وبهذا تبين أن بعض المؤمنين كانوا كارهين وبعضهم لم يكونوا كذلك وهم الأكثر كما تشير إليه الآية، وجاء في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بدر قيل له: عليك بالعير فليس دونها شيء فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له: لم؟ فقال: لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك.
* (يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) *.
* (يجادلونك في الحق) * الذي هو تلقي النفير المعلي للدين لإيثارهم عليه تلقي العير، والجملة إما مستأنفة أو حال ثانية، وجوز أن تكون حالا من الضمير في * (لكارهون) *، وقوله سبحانه: * (بعد ما تبين) * متعلق بيجادلون، و * (ما) * مصدرية، وضمير تبين للحق أي يجادلون بعد تبين الحق لهم بإعلامك أنهم ينصرون ويقولون: ما كان خروجنا إلا للعير وهلا ذكرت لنا القتال حتى نستعد له ونتأهب * (كأنما يساقون إلى الموت) * أي مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، فالجملة في محل نصب على الحالية من ضمير لكارهون، وجوز أن تكون صفة مصدر لكارهون بتقدير مضاف أي لكارهون كراهة ككراهة من سيق للموت * (وهم ينظرون) * حال من ضمير يساقون وقد شاهدوا أسبابه وعلاماته، وفي قوله سبحانه وتعالى: * (كأنما) * الخ إيماء إلى أن مجادلتهم كان لفرط فزعهم ورعبهم لأنهم كانوا ثلثمائة وتسعة عشر رجلا في قول فيهم فارسان المقداد بن الأسود. والزبير بن العوام، وعن علي كرم الله تعالى وجهه ما كان منا فارس يوم بدر إلا المقداد وكان المشركون ألفا قد استعدوا للقتال.
* (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلم‍اته ويقطع دابر الك‍افرين) *.
* (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) * كلام مستأنف مسوق لبيان جميل صنع الله تعالى بالمؤمنين مع ما بهم من الجزع وقلة الحزم، فإذ نصب على المفعولية بمضمر إن كانت متصرفة أو ظرف لمفعول ذلك الفعل، وهو خطاب للمؤمنين بطريق التلوين والالتفات و * (إحدى) * مفعول ثاني ليعد وهو يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبالباء، أي اذكروا وقت أو الحادث وقت وعد الله تعالى إياكم إحدى الطائفتين.
وقرىء * (يعدكم) * بسكون الدال تخفيفا، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها، وقوله سبحانه وتعالى: * (أنها لكم) * بدل اشتمال من إحدى مبين لكيفية الوعد، أي يعدكم أن إحدى الطائفتن كائنة لكم مختصة بكم تتسلطون عليها تسلط الملاك وتتصرفون فيها كيفما شئتم * (وتودون) * عطف على يعدكم داخل معه حيث دخل أي تحبون * (أن غير ذات الشوكة تكون لكم) * من الطائفتين، وذات الشوكة هي النفير ورئيسهم أبو جهل، وغيرها العير ورئيسهم أبو سفيان، والتعبير عنهم بهذا العنوان للتنبيه على سبب ودادتهم لملاقاتهم وموجب كراهتهم ونفرتهم عن موافاة النفير، والشوكة في الأصل واحدة الشوك المعروف ثم استعيرت للشدة والحدة وتطلق على السلاح أيضا؛ وفسرها بعضهم به هنا * (ويريد الله أن يحق الحق) * أي يظهر
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»