تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٩
أنه طاعه الله عز وجل وعن ابن زيد أنه الإسلام، وعن قتادة أنه عهد الله تعالى وأمره وكلها متقاربة. وفي الكلام استعارة تمثيلية بأن شبهت الحالة الحاصلة للمؤمنين من استظهارهم بأحد ما ذكر ووثوقهم بحمايته بالحالة الحاصلة من تمسك المتدلي من مكان رفيع بحبل وثيق مأمون الانقطاع من غير اعتبار مجاز في المفردات، واستعير ما يستعمل في المشبه به من الألفاظ للمشبه، وقد يكون في الكلام استعارتان مترادفتان بأن يستعار الحبل للعهد مثلا استعارة مصرحة أصلية والقرينة الإضافة، ويستعار الاعتصام للوثوق بالعهد والتمسك به على طريق الاستعارة المصرحة التبعية والقرينة اقترانها بالاستعارة الثانية، وقد يكون في * (اعتصموا) * مجاز مرسل تبعي بعلاقة الإطلاق والتقييد، وقد يكون مجازا بمرتبتين لأجل إرسال المجاز وقد تكون الاستعارة في الحبل فقط ويكون الاعتصام باقيا على معناه ترشيحا لها على أتم وجه، والقرينة قد تختلف بالتصرف فباعتبار قد تكون مانعة وباعتبار آخر قد لا تكون، فلا يرد أن احتمال المجازية يتوقف على قرينة مانعة عن إرادة الموضع له فمع وجودها كيف يتأتى إرادة الحقيقة ليصح الأمران في * (اعتصموا) * وقد تكون الاستعارتان غير مستقلتين بأن تكون الاستعارة في الحبل مكنية وفي الاعتصام تخييلية لأن المكنية مستلزمة للتخييلية قاله الطيبي، ولا يخفى أنه أبعد من العيوق. وقد ذكرنا في " حواشينا على رسالة ابن عصام " ما يرد على بعض هذه الوجوه مع الجواب عن ذلك فارجع إليه إن أردته.
* (جميعا) * حال من فاعل * (اعتصموا) * كما هو الظاهر المتبادر أي مجتمعين عليه فيكون قوله تعالى: * (ولا تفرقوا) * تأكيدا بناءا على أن المعنى ولا تتفرقوا عن الحق الذي أمرتم بالاعتصام به، وقيل: المعنى لا يقع بينكم شقاق وحروب كما هو مراد المذكرين لكم بأيام الجاهلية الماكرين بكم، وقيل: المعنى لا تتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي ذلك عن الحسن.
* (واذكروا نعمت الله عليكم) * أي جنسها ومن ذلك الهداية والتوفيق للإسلام المؤدي إلى التآلف وزوال الأضغان، ويحتمل أن يكون المراد بها ما بينه سبحانه بقوله: * (إذ كنتم أعدآء) * أي في الجاهلية * (فألف بين قلوبكم) * بالإسلام، ونعمة مصدر مضاف إلى الفاعل، و * (عليكم) * إما متعلق به أو حال منه، و * (إذ) * إما ظرف للنعمة أو للاستقرار في * (عليكم) * إذا جعلته حالا، قيل: وأراد سبحانه بما ذكر ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة إلى أن ألف سبحانه بينهم بالإسلام فزالت الأحقاد - قاله ابن إسحق - وكان يوم بعاث آخر الحروب التي جرت بينهم وقد فصل ذلك في " الكامل "، وقيل: أراد ما كان بين مشركي العرب من التنازع الطويل والقتال العريض ومنه حرب البسوس، ونقل ذلك عن الحسن رضي الله تعالى عنه * (فأصبحتم بنعمتهإخواانا) * أي فصرتم بسبب نعمته التي هي ذلك التأليف متحابين - فأصبح - ناقصة، و * (إخوانا) * خبره، وقيل: * (أصبحتم) * أي دخلتم في الصباح فالباء حينئذ متعلقة بمحذوف وقع حالا من الفاعل وكذا إخوانا أي فأصبحتم متلبسين بنعمته حال كونكم إخوانا، والإخوان جمع أخ وأكثر ما يجمع أخو الصداقة على ذلك على الصحيح، وفي " الاتقان " الأخ في النسب جمعه إخوة وفي الصداقة إخوان، قاله ابن فارس - وخالفه غيره - وأورد في الصداقة * (إنما المؤمنون إخوة) * (الحجرات: 10) وفي النسب * (أو إخوانهن أو بني إخوانهن) * (النور: 31) * (أو بيوت إخوانكم) * (النور: 61).
* (وكنتم على شفا حفرة من النار) *
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»