تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٧٨
اتفقا في أمر سبيل الكناية من أنها لا تنافي إرادة التصريح مع إرادة ما عبر عنه وإذا اختلف سبيل الحقيقة والمجاز وعلى كل حال لا يطلق لغة على غيره تعالى إطلاقا مستفيضا إلا مقيدا بإضافة ونحوها مما يدل على ربوبية مخصوصة، وقول ابن حلزة في المنذر بن ماء السماء: وهو الرب والشهيد على يو * م الخيارين والبلاء بلاء نادر، واستظهر الإمام السيوطي أن المراد نفي إطلاقه على غيره تعالى شرعا والشعر جاهلي وفي كلام الجوهري ما يؤيده، وقال الشهاب: لو كان بمعنى غير المالك جاز مع القرينة إطلاقه على غيره تعالى، وجوز بعضهم إطلاقه منكرا كما في قوله النابغة: نحث إلى النعمان حتى نناله * فدى لك من رب طريفي وتالدي وكره بعضهم إطلاقه مقيدا بالإضافة إلى عاقل كرب العبد لإيهام الاشتراك، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: " لا يقل أحدكم أطعم ربك وضىء ربك ولا يقل أحد ربي وليقل سيدي ومولاي " وأجابوا عن قول يوسف عليه السلام: * (ارجع إلى ربك) * (يوسف: 50) و * (إنه ربي) * (يوسف: 23) ونحوه بأنه مثل: * (وخروا له سجدا) * (يوسف: 100) مخصوص جوازه بزمانه و * (العالمين) * في المشهور جمع عالم واعترض بأنه يعم العقلاء وغيرهم وعالمون خاص بالعقلاء وأجيب بكونه جمعا له بعد تخصيصه بهم وهو في حكم الصفات كما سيعلم بتوفيقه تعالى من تعريفه أو نقول بالتغليب وقيل نزل من ليس له العلم لكونه دالا على معنى العلم منزلة من له العلم فجمع بالواو والنون كما في: * (أتينا طائعين) * (فصلت: 110) * (ورأيتهم لي ساجدين) * (يوسف: 4) وقيل هو اسم جمع على وزن السلامة ولا نظير له وفيه نظر لأن الاسم الدال على أكثر من اثنين إن كان موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف فهو الجمع وإن كان موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية فهو اسم الجنس الجمعي كتمر وتمرة وإن كان موضوعا لمجموع الآحاد فهو اسم جمع سواء كان له واحد كركب أو لا كرهط فانظر أي التعريفات صادقة عليه وفي الكشف لو قيل عالم وعالمون كعرفة وعرفات لم يبعد وفيه أنه أبعد بعيد لأنه قياس فيما يعرف بالسماع على أن للعالمين آحادا يسمى كل منها عالما فلا مرية في كونه جمعا له بخلاف عرفات فإنه ليس لها آحاد كل منها عرفة والعالم كالخاتم اسم لما يعلم به وغلب فيما يعلم به الخالق تعالى شأنه وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض ويطلق على مجموع الأجناس وهو الشائع كما يطلق على واحد منها فصاعدا فكأنه اسم للقدر المشترك وإلا يلزم الاشتراك أو الحقيقة والمجاز والأصل نفيهما، ولا يطلق على فرد منها فلا يقال عالم زيد كما يقال عالم الإنسان ولعله ليس إلا باعتبار الغلبة والاصطلاح وأما باعتبار الأصل فلا ريب في صحة الإطلاق قطعا لتحقق المصداق حتما فإنه كما يستدل على الله سبحانه وتعالى بمجموع ما سواه وبكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكل جزء من أجزاء ذلك المجموع وبكل فرد من أفراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته في الكل فإن كل ما ظهر في المظاهر مما عز وهان وحضر في هذه المحاضر كائنا ما كان لإمكانه وافتقاره دليل لائح على الصانع المجيد وسبيل واضح إلى عالم التوحيد: فيا عجبا كيف يعصي الال‍ * - ه أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد وإنما أتى الرب سبحانه بالجمع المعرف لأنه لو أفرد وعرف بلام الاستغراق لم يكن نصا فيه لاحتمال العهد بأن يكون إشارة إلى هذا العالم المحسوس لأن العالم وإن كان موضوعا للقدر المشترك إلا أنه شاع استعماله بمعنى
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»