تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٣
العين لاحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر * (فأمتعه قليلا) * من المعاني العقلية والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على حسب استعدادهم * (ثم أضطره إلى عذاب) * نار الحرمان والحجاب * (وبئس المصير) * (البقرة: 126) مصيرهم لتعذيبهم بنقصانهم وعدم تكميل نشأتهم * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) * على الكيفية التي ذكرناها قبل * (وإسمعيل) * كذلك قائلين * (ربنا تقبل منا) * مجاهداتنا ومساعينا في السلوك إليك بامداد التوفيق * (إنك أنت السميع) * لهواجس خواظرنا فيه * (العليم) * (البقرة: 127) بنياتنا وأسرارتا * (ربنا واجعلنا مسلمين لك) * لاتكلنا إلى أن أنفسنا * (ومن ذريتنا) * المنتمين إلينا * (أمة مسلمة لك وأرنا) * طرق الوصول إلى نفي ما سواك * (وتب علينا) * فيك عن أنفسنا وفنائنا * (إنك أنت التواب) * الموفق للرجوع إليك * (الرحيم) * (البقرة: 128) بمن عول دون السوى عليك * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) * وهو الحقيقة المحمدية * (يتلو عليهم آياتك) * الدالة عليك * (ويعلمهم) * كتاب العقل الجامع لصفاتك * (والحكمة) * الدالة على نفي غيرك * (ويزكيهم) * ويطهرهم عن دنس الشرك * (إنك أنت العزيز) * (البقرة: 129) الغالب، فأنى يظهر سواك المحكم لما ظهرت فيه فلا يرى إلا إياك * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) * وهي التوحيد الصرف، إلا من احتجب عن نور العقل بالكلية، وبقي في ظلمة نفسه * (ولقد اصطفيناه) * (البقرة: 130) فكان من المحبوبين المرادين بالسابقة الأزلية في عالم الملك، وأنه في عالم الملكوت من أهل الاستقامة، الصالح لتدبير النظام وتكميل النوع * (إذ قال له ربه أسلم) * أي وحد وأسلم لله تعالى ذاتك * (قال أسلمت لرب العالمين) * (البقرة: 131) وفنيت فيه * (ووصى) * بكلمة التوحيد * (إبراهيم بنيه) * السالكين على يده وكذلك يعقوب * (يا بني إن الله اصطفى لكم) * دينه الذي لا دين غيره عنده * (فلا تموتن) * (البقرة: 132) بالموت الطبيعي وموت الجهل، بل كونوا ميتين بأنفسكم، أحياء بالله أبدا، فيدرككم موت البدن على هذه الحالة * (تلك أمة قد خلت) * فلا تكونوا مقيدين بالتقليد البحت لهم، فليس لأحد إلا ما كسب من العلم والعمل والاعتقاد والسيرة، فكونوا على بصيرة في أمركم، واطلبوا ما طلبوا لتنالوا ما نالوا * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * (العنكبوت: 69) ومن دق باب الكريم ولج ولج.
* (وقالوا كونوا هودا أو نص‍ارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * * (وقالوا كونوا هودا أو نص‍ارى تهتدوا) * الضمير الغائب لأهل الكتاب، والجملة عطف على ما قبلها عطف القصة على القصة، والمراد منها رد دعوتهم إلى دينهم الباطل إثر رد ادعائهم اليهودية على يعقوب عليه السلام، و * (أو) * لتنويع المقال - لا للتخيير - بدليل أن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر، أي: قال اليهود للمؤمنين كونوا هودا وقالت النصارى لهم كونوا نصارى و * (تهتدوا) * جواب الأمر، أي إن كنتم كذلك تهتدوا. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في رؤوس يهود المدينة، كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وأبي ياسر بن أحطب وفي نصارى أهل نجران، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها، فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان، وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن، وقالت النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء، وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان، وكفرت بمحمد والقرآن، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا، فلا دين إلا ذلك في رواية ابن إسحق وابن جرير وغيرهما عنه أن عبد الله بن صوريا الأعور قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى: مثل ذلك فأنزل الله تعالى فيهم الآية * (قل) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي قل لأولئك القائلين على سبيل الرد عليهم،
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»