تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٤٨
ببال والقلب قد أحاط بجهاته جهة أخرى وأيضا في تخصيص الاستعانة بالآلة نظر لأنها قد تكون بها وبالقدرة ولو سلم فأي مانع من الإشارة بها هنا إلى أنه كما هو المقصود بالذات فهو المقصود بالعرض إذ لا حول ولا قوة إلا به.
وأما الثالث: فلأن المشركين إلى الاستعانة بآلهتهم أقرب إذ هم وسائطهم في التقرب إليه تعالى وهي أشبه بالآلة.
وأما الرابع: فلأن الآلة لا بد من وجودها في كل جزء إلى آخر الفعل وإلا لم يتم ولا نسلم اللزوم بين مصاحبة شيء لشيء وملابسته لجميع أجزائه وما ذكره من الحديث فهو بالاستعانة أنسب لأنها مشعرة بتبري العبد من حوله وقوته وإثبات الحول والقوة لله تعالى وهذا من باب العقائد التي عقد عليها قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم.
وأما الخامس: فلأنه إن أراد أن معنى المصاحبة التبرك فظاهر البطلان وقد رجع بخفي حنين وإن أراد أنه يفهم منها بالقرينة فندعيه نحن بها إذا قصد الآلية لتوقف الاعتداد الشرعي عليها وأما كون التبرك معنى ظاهرا لكل أحد فلا نسلم أنه من خصوص المصاحبة. وأما السادس: فلأن الانحصار فيه ممنوع. وأما السابع: فلأن ما يفتتح به الشيء لا مانع من كونه جزءا فالفاتحة مفتتح القرآن وجزؤه ولو سلم فجعلها مفتتحا بالنسبة إلى ما عداها قاله الشهاب ولا يضر الحنفي ما فيه. وأما الثامن: فلأن معنى الحديث أفعل كذا مستعينا باسم الله الذي لا يضرني مع ذكر اسمه مستعينا به شيء إذ من استعان بجنابه أعانه ومن لاذ ببابه حفظه وصانه، وإن استبعدت هذا ورددت ما قيل في الرد من أن المراد بالحديث الإخبار بأنه لا يضر مع ذكر اسمه شيء من مخلوق والمصاحبة تستدعي أمرا حاصلا عندها نحو جاءكم الرسول بالحق والقراءة لم تحصل بعد فتعذرت حقيقة المصاحبة بأن المصاحبة هنا ليست محسوسة وكونها إخبارا بنفي صحبة الضرر يفهم منه صحبة النفع والبركة وهي دفع الوسوسة عن القارىء مع جزيل الثواب فلا ضير أيضا لأنه مجرد استئناس ولا يوحشنا إذ ما نستأنس به كثير وأما التاسع: فلأن جعل الموجود كالمعدوم للجري لا على المقتضى من المحسنات والنكتة ههنا إن شبه اسم الله بناء على يقين المؤمن بما ورد من السنة والقطع بمقتضاها بالأمر المحسوس وهو حصول الكتب بالقلم وعدم حصوله بعدمه ثم أخرج مخرج الاستعارة التبعية لوقوعها في الحرف.
وأما العاشر: فلأنه لا يخفى حال التشبيه بالقلم وأما الحادي عشر: فلأنه لا نسلم أن التبرك معنى المصاحبة أو لازم معناه بل هو معلوم من أمر خارج هو أن مصاحبة اسمه سبحانه يوجد معها ذلك وهو جار في الاستعانة باسمه عز شأنه على أن في الاستعانة من اللطف ما لا يخفى ويمكن على بعد أن يكون عدم اختيار الزمخشري لها لنزغات الشيطان الاعتزالية من استقلال العبد بفعله فقد ذهب إليه هو وأصحابه وسيأتي إن شاء الله تعالى رده، وقد اختلف في متعلق الجار فذهب الإمام ابن جرير إلى تقديره أتلو لأن تاليه متلو وهكذا يضمر الخاص الفعلي كل فاعل فعلا يجعل التسمية مبدأ له وهو من المعاني القرآنية كنظائره للزومها في متعارف اللسان وبه يندفع كلام الصادقي وليس المقصود هنا متكلما مخصوصا فهو على حد ولو ترى فينوي كل بالضمير نفسه فلا يضر تقدمها على قراءة هذا القارىء بل على وجوده ويتأتى القول بجزئيتها من الكل أو الجزء بلا خفاء ولما خفي ذلك على البعض جعل المقدر فعل أمر متوجه إلى العباد ليتحد قائل الملفوظ والمقدر واختاره الفراء عن اختيار و [روي عن ابن عباس لأنه تعالى قدم
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»