مفعول نعيد مقدرا يفسره نعيده المذكور أو مفعول لبدأنا وما كافة أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده وعلى هذا الوجه يكون أول ظرف لبدأنا أو حال وإنما خص أول الخلق بالذكر تصويرا للإيجاد عن العدم والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ لشمول الإمكان الذاتي لهما وقيل معنى الآية نهلك كل نفس كما كان أول مرة وعلى هذا فالكلام متصل بقوله يوم نطوى السماء وقيل المعنى نغير السماء ثم نعيدها مع مرة أخرى بعد طيها وزوالها والأول أولى وهو مثل قوله ولقد جئناكم فرادى كما خلقناكم أول مرة ثم قال سبحانه وعدا علينا إنا كنا فاعلين انتصاب وعدا على أنه مصدر أي وعلينا وعدا علينا إنجازه والوفاء به وهو البعث والإعادة ثم أكد سبحانه ذلك بقوله إنا كنا فاعلين قال الزجاج معنى إنا كنا فاعلين إنا كنا قادرين على ما نشاء وقيل إنا كنا فاعلين ما وعدناكم ومثله قوله وكان وعده مفعولا ولقد كتبنا في الزبور الزبر في الأصل الكتب يقال زبرت أي كتبت وعلى هذا يصح إطلاق الزبور على التوراة والإنجيل وعلى كتاب داود المسمى بالزبور وقيل المراد به هنا كتاب داود ومعنى من بعد الذكر أي اللوح المحفوظ وقيل هو التوراة أي والله لقد كتبنا في كتاب داود من بعد ما كتبنا في التوراة أو من بعد ما كتبنا في اللوح المحفوظ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال الزجاج الزبور جميع الكتب التوراة والإنجيل والقرآن لأن الزبور والكتاب في معنى واحد يقال زبرت وكتبت ويؤيد ما قاله قراءة حمزة في الزبور بضم الزاي فإنه جمع زبر وقد اختلف في معنى يرثها عبادي الصالحون فقيل المراد أرض الجنة واستدل القائلون بهذا بقوله سبحانه وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض وقيل هي الأرض المقدسة وقيل هي أرض الأمم الكافرة يرثها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأمته بفتحها وقيل المراد بذلك بنو إسرائيل بدليل قوله سبحانه وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها والظاهر أن هذا تبشير لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بوراثة أرض الكافرين وعليه أكثر المفسرين وقرأ حمزة عبادي بتسكين الياء وقرأ الباقون بتحريكها إن في هذا لبلاغا أي فيما جرى ذكره في هذه السورة من الوعظ والتنبيه لبلاغا لكفاية يقال في هذا الشئ بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية وقيل الإشارة بقوله إن في هذا إلى القرآن لقوم عابدين أي مشغولين بعبادة الله مهتمين بها والعبادة هي الخضوع والتذلل وهم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورأس العبادة الصلاة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أي وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والعلل أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين قيل ومعنى كونه رحمة للكفار أنهم آمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال وقيل المراد بالعالمين المؤمنون خاصة والأول أولى بدليل قوله سبحانه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ثم بين سبحانه أن أصل تلك الرحمة هو التوحيد والبراءة من الشرك فقال قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد إن كانت ما موصولة فالمعنى أن الذي يوحى إلي هو أن وصفه تعالى مقصور على الوحدانية لا يتجاوزها إلى ما يناقضها أو يضادها وإن كانت ما كافة فالمعنى أن الوحي إلى مقصور على استئثار الله بالوحدة ووجه ذلك أن القصر أبدا يكون لما يلي إنما فإنما الأولى لقصر الوصف على الشئ كقولك إنما يقوم زيد أي ما يقوم إلا زيد والثانية لقصر الشئ على الحكم كقولك إنما زيد قائم أي ليس به إلا صفة القيام فهل أنتم مسلمون منقادون مخلصون للعبادة ولتوحيد الله سبحانه فإن تولوا أي أعرضوا عن الإسلام فقل لهم آذنتكم على سواء أي أعلمتكم
(٤٣٠)