تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٥٤
بها والتذكير بتأويل ما ذكر كما مر تحقيقه أو إلى الاقسام بها وأيا ما كان فما فيه من معنى البعد للايذان بعلو رتبة المشار اليه وبعد منزلته في الشرف والفضل أي هل فيما ذكر من الأشياء قسم أي مقسم به لذي حجر يراه حقيقا بأن يقسم به اجلالا وتعظيما والمراد تحقيق أن الكل كذلك وانما أوثرت هذه الطريقة هضما للخلق وإيذانا بظهور الأمر أو هل في إقسامي بتلك الأشياء اقسام لذي حجر مقبول عنده يعتد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه والحجر العقل لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من التهافت فيما لا ينبغي كما سمي عقلا ونهية لأنه يعقل وينهي وحصاة أيضا من الاحصاء وهو الضبط قال الفراء يقال انه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن كما ينبئ عنه قوله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد الخ فإنه استشهاد بعلمه عليه الصلاة والسلام بما يدل عليه من تعذيب عاد واضرابهم المشاركين لقومه عليه الصلاة والسلام في الطغيان والفساد على طريقة قوله تعالى «ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه» الآية وقوله تعالى «ألم تر أنهم في كل واد يهيمون» كأنه قيل ألم تعلم علما يقينيا كيف عذب ربك عادا ونظائرهم فيعذب هؤلاء أيضا لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصي والمراد بعاد أولاد عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم هاشما وقد قيل لأوائلهم عاد الأولى ولأواخرهم عاد الآخرة قال عماد الدين بن كثير كل ما ورد في القرآن خبر عاد الأولى الا ما في سورة الأحقاف وقوله تعالى ارم عطف بيان لعاد للايذان بأنهم عاد الأولى بتقدير مضاف أي سبط ارم أو أهل ارم على ما قبل من أن ارم اسم بلدتهم أو ارضهم التي كانوا فيها ويؤيده القراءة بالإضافة وأيا ما كان فامتناع صرفها للتعريف والتأنيث وقرئ ارم باسكان الراء تخفيفا كما قرىء بورقكم ذات العماد صفة لإرم أي ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة ومنه قولهم رجل عمد و عمدان إذا كان طويلا أو ذات الخيام والأعمدة حيث كانوا بدويين أهل عمد أو ذات البناء الرفيع أو ذات الأساطين على أن ارم اسم بلدتهم وقرئ ارم ذات العماد بإضافة ارم إلى ذات العماد والإرم العلم أي بعاد أهل اعلام ذات العماد على أنها اسم بلدتهم وقرئ ارم ذات العماد أي جعلها الله تعالى رميما بدل من فعل ربك وقيل هي جملة دعائية اعترضت بين الموصوف والصفة وروي أنه كان لعاد ابنان شديد وشداد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال ابني مثلها فبنى ارم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة ولما تم بناؤها سار إليها أهل مملكته فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله تعالى عليهم صيحة من السماء فهلكوا و عن عبد الله بن قلابة
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة