تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٩٦
للكل وإن جعلا للبعض الباقين بعد ما قتل الآخرون كما هو الأنسب بمقام توبيخ المنخذلين بعد ما استشهد الشهداء فهي عبارة عما ذكر مع ما اعتراهم من قتل إخوانهم من الخوف والحزن وغير ذلك هذا على القراءة المشهورة وأما على القراءتين الأخيرتين فإن أسند الفعل إلى الربيين فالضميران للباقين منهم حتما وإن أسند إلى ضمير النبي كما هو النسب بالتوبيخ على الإنخذال بسبب الإرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام فهما للباقين أيضا إن اعتبر كون الربيين مع النبي في القتل وللجميع إن اعتبر كونهم معه في القتال «وما ضعفوا» عن العدو وقيل عن الجهاد وقيل في الدين «وما استكانوا» أي وما خضعوا للعدو وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب ان يكون لمن يخضع له وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند استيلاء الكفرة عليهم والإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بابن أبي المنافق في طلب الأمان من أبي سفيان «والله يحب الصابرين» أي على مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره في سبيل الله فينصرهم ويعظهم قدرهم والمراد بالصابرين إما المعهودون والإظهار في موضع الإضمار للثناء عليهم بحسن الصبر والإشعار بعلة الحكم وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا والجملة تذييل لما قبلها «وما كان قولهم» كلام مبين لمحاسنهم القولية معطوف على ما قبله من الجمل المبينة لمحاسنهم الفعلية وقولهم بالنصب خبر لكان واسمها أن وما بعدها في قوله تعالى «إلا أن قالوا» والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ما كان قولا لهم عند أي لقاء للعدو واقتحام مضايق الحرب وإصابة ما أصابهم من فنون الشدائد والأهوال شئ من الأشياء إلا ان قالوا «ربنا اغفر لنا ذنوبنا» أي صغائرنا «وإسرافنا في أمرنا» أي تجاوزنا الحد في ركوب الكبائر أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين برءاء من التفريط في جنب الله تعالى هضما لها واستقصارا لهممهم وإسنادا لما أصابهم إلى أعمالهم وقدموا الدعاء بمغفرتها على ما هو الأهم بحسب الحال من الدعاء بقولهم «وثبت أقدامنا» أي في مواطن الحرب بالتقوية والتأييد من عندك أو ثبتنا على دينك الحق «وانصرنا على القوم الكافرين» تقريبا له إلى حيز القبول فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة والمعنى لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر عنهم قول يوهم شائبة الجزع والخور والتزلزل في مواقف الحرب ومراصد الدين وفيه من التعريض بالمهزمين مالا يخفى وقرا ابن كثير وعاصم في رواية عنهما برفع قولهم على أنه الاسم والخبر أن وما في حيزها أي ما كان قولهم حينئذ شيئا من الأشياء الا هذا القول المنبىء عن أحاسن المحاسن وهذا كما ترى أقعد بحسب المعني وأوفق بمقتضي المقام لما ان الإخبار بكون قولهم المطلق خصوصية قولهم المحكى عنهم مفصلا كما تفيده قراءتهما أكثر إفادة للسامع
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254