تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٢٢١
تعليلا لعدم الاستواء مسوقا لإثباته وفيه تعكيس ظاهر فإن الذي يحق أن يكون مقصودا بالذات إنما هو بيان تفاضل الفريقين على درجات متفاوتة وأما عدم استوائهما فقصارى أمره أن يكون توطئه لذكره ولام المجاهدين والقاعدين للعهد فقيد كون الجهاد في سبيل الله معتبر في الأول كما أن قيد عدم الضرر معتبر في الثاني ودرجة نصب على المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل أي فضل الله تفضيله أو على نزع الخافض أي بدرجة وقيل على التمييز وقيل على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة وتنوينها للتفخيم وقوله تعالى «وكلا» مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين «وعد الله الحسنى» أي المثوبة الحسنى وهي الجنة لا أحدهما فقط كما في قوله تعالى وأرسلناك للناس رسولا على أن اللام متعلقة برسولا والجملة اعتراض جئ به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول وقوله عز وجل «وفضل الله المجاهدين على القاعدين» عطف على قوله تعالى فضل الله الخ واللام في الفريقين مغنية لهما عن ذكر القيود التي تركت على سبيل التدريج وقوله تعالى «أجرا عظيما» مصدر مؤكد لفضل على انه بمعنى اجر وإيثار على ما هو مصدر من فعله للإشعار بكون ذلك التفضيل أجرا لأعمالهم أو مفعول ثان له بتضمينه معنى الإعطاء أي أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما وقيل هو منصوب بنزع الخافض أي فضلهم بأجر عظيم وقوله تعالى «درجات» بدل من أجرا بدل الكل مبين لكمية التفضيل وقوله تعالى «منه» متعلق بمحذوف وقع صفة لدرجات دالة على فخامتها وجلالة قدرها أي درجات كائنة منه تعالى قال ابن محير يزهي سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا وقال السدى هي سبعمائة درجة وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ويجوز أن يكون انتصاب درجات على المصدرية كما في قولك ضربه أسواطا أي ضربات كأنه قيل فضلهم تفضيلات وقوله تعالى «ومغفرة» بدل من أجرا بدل البعض لأن بعض الأجر ليس من باب المغفرة أي مغفرة لما يفرط منهم من الذنوب التي لا سائر الحسنات التي يأتي بها القاعدون أيضا حتى تعد من خصائصهم وقوله تعالى «ورحمة» بدل الكل من أجرا مثل درجات ويجوز أن يكون انتصابهما بإضمار فعلهما أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة وتقييده تارة بدرجة وأخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن النظام إما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزله الاختلاف الذاتي تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير روما لمزيد التحقيق والتقرير كما في قوله تعالى فلما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ كأنه قيل فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها ولا يبلغ كنهها وحيث كان تحقق هذا البون البعيد بينهما موهما لحرمان القاعدين قيل وكلا وعد الله الحسنى ثم أريد تفسير ما أفاده
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254