تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٤٠
أن يكون كذلك عند النزول أو بالغا فالأمر شامل أولياء الفريقين صيغة موجب عليهم ما ذكر من حفظ أموالهم والتحفظ عن إضاعتها مطلقا وأما وجوب الدفع إلى الكبار فمستفاد مما سيأتي من الأمر به وقيل المراد بهم الصغار وبالإيتاء الإعطاء في الزمان المستقبل وقيل أطلق اسمهم على الكبار بطريق الإتساع لقرب عهدهم باليتم حثا للأولياء على المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم أول ما بلغوا قبل أن يزول عنهم اسمهم المعهود فالإيتاء بمعنى الإعطاء بالفعل ويأباهما ما سيأتي من قوله تعالى «وابتلوا اليتامى» الخ فإن ما فيه من الأمر بالدفع وارد على وجه التكليف الابتدائي لا على وجه تعيين وقته أو بيان شرطه فقط كما هو مقتضى القولين وأما تعميم الاسم للصغار والكبار مجازا بطريق التغليب مع تعميم الإيتاء للإيتاء حالا وللإيتاء مآلا وتعميم الخطاب لأولياء كلا الفريقين على أن من بلغ منهم فوليه مأمور بالدفع إليه بالفعل وأن من لم يبلغ بعد فوليه مأمور بالدفع إليه عند بلوغه رشيدا فمع ما سبق تكلف لا يخفى فالأنسب ما تقدم من حمل إيتاء أموالهم إليهم على ما يؤدى إليه من ترك التعرض لها بسوء كما يلوح به التعبير عن الإعطاء بالفعل بالدفع سواء أريد باليتامى الصغار أوما يعم الصغار والكبار حسبما ذكر آنفا وإما ما روى من ان رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له فلما بلغ طلب منه ماله فمنعه فنزلت فلما سمعها قال أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فغير قادح في ذلك لما أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب «ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب» نهى عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص بعد النهى الضمني عن أخذه على الإطلاق وتبدل الشئ بالشئ واستبداله به أخذ الأول بدل الثاني بعد ان كان حاصلا له أو في شرف الحصول يستعملان أبدا بإفضائهما إلى الحاصل بأنفسهما وإلى الزائل بالباء كما في قوله تعالى «ومن يتبدل الكفر بالإيمان» الخ وقوله تعالى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وإما التبديل فيستعمل تارة كذلك كما في قوله تعالى وبدلناهم بجنتيهم جنتين الخ وأخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما نص عليه الأزهري وتارة أخرى بإفضائه إلى مفعولية بنفسه كما في قوله تعالى يبدل الله سيئاتهم حسنات والمراد بالخبيث والطيب إن كان هو الحرام والحلال فالمنهى عنه استبدال مال اليتيم بمال أنفسهم مطلقا كما قاله الفراء والزجاج وقيل معناه لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا الحرام من أموالهم فالمنهى عنه أكل ماله مكان ما لهم المحقق أو المقدر وقيل هو اختزال ما له مكان حفظه وأيا ما كان فأنما عبر عنهما بهما تنفيرا عما أخذوه وترغيبا فيما أعطوه وتصويرا لمعاملتهم بصورة مالا يصدر عن العاقل وإن كان هو الردئ والجيد فمورد النهى ما كانوا عليه من أخذ الجيد من مال اليتيم وإعطاء الردئ من مال أنفسهم وبه قال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري والسدي وتخصيص هذه المعاملة بالنهى لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها وأما التعبير عنها بتبدل الخبيث بالطيب مع أنها تبديله به أو تبدل الطيب بالخبيث فللإيذان بأن الأولياء حقهم أن يكونوا في المعاوضات عاملين لليتيم لا لأنفسهم مراعين لجانبه قاصدين لجلب المجلوب إليه مشترى كان أو ثمنا لا لسلب المسلوب عنه «ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم» نهى عن منكر آخر كانوا يتعاطونه أي لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم ولا تسووا بينهما وهذا حلال وذاك حرام وقد خص من ذلك مقدار أجر المثل عند كون
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254