تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٩
والمجرور من معنى الفعل المنفي كأنه قيل لم يحصل فيه الريب حال كونه هاديا على أنه قيد للنفي لا للمنفي وحاصله انتفى الريب فيه حال كونه هاديا وتنكيره للتفخيم وحمله على الكتاب إما للمبالغة كأنه نفس الهدى أو لجعل المصدر بمعنى الفاعل هذا والذي يستدعيه جزالة التنزيل في شأن ترتيب هذه الجمل أن تكون متناسقة تقرر اللاحقة منها السابقة ولذلك لم يتخلل بينها عاطف فالم جملة برأسها على أنها خبر لمبتدأ مضمر أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها دالة على أن المتحدي به هو المؤلف من جنس ما يؤلفون منه كلامهم وذلك الكتاب جملة ثانية مقررة لجهة التحدي لما دلت عليه من كونه منعوتا بالكمال الفائق ثم سجل على غاية فضله بنفي الريب فيه إذ لا فضل أعلى مما للحق واليقين وهدى للمتقين مع ما يقدر له من المبتدأ جملة مؤكدة لكونه حقا لا يحوم حوله شائبة شك ما ودالة على تكميله بعد كماله أو يستتبع السابقة منها اللاحقة استتباع الدليل للمدلول فإنه لما نبه أولا على إعجاز المتحدي به من حيث أنه من جنس كلامهم وقد عجزوا عن معارضته بالمرة ظهر أنه الكتاب البالغ أقصى مراتب الكمال وذلك مستلزم لكونه في غاية النزاهة عن مظنة الريب إذ لا أنقص مما يعتريه الشك وما كان كذلك كان لا محالة هدى للمتقين وفي كل منها من النكت الرائقة والمزايا الفائقة مالا يخفى جلالة شأنه حسبما تحققته «الذين يؤمنون بالغيب» إما موصول بالمتقين ومحله الجر على أنه صفة مقيدة له إن فسر التقوى بترك المعاصي فقط مترتبة عليه ترتب التحلية على التخلية وموضحة إن فسر بما هو المتعارف شرعا والمتبادر عرفا من فعل الطاعات وترك السيئات معا لأنها حينئذ تكون تفصيلا لما انطوى عليه اسم الموصوف إجمالا وذلك لأنها مشتملة على ما هو عماد الأعمال وأساس الحسنات من الإيمان والصلاة والصدقة فإنها أمهات الأعمال النفسانية والعبادات البدنية والمالية المستتبعة لسائر القرب الداعية إلى التجنب عن المعاصي غالبا ألا يرى إلى قوله تعالى «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» وقوله عليه السلام الصلاة عماد الدين والزكاة قنطرة الإسلام أو مادحة للموصوفين بالتقوى المفسر بما مر من فعل الطاعات وترك السيئات وتخصيص ما ذكر من الخصال الثلاث بالذكر لإظهار شرفها وإنافتها على سائر ما انطوى تحت اسم التقوى من الحسنات أو النصب على المدح بتقدير أعني أو الرفع عليه بتقدير هم وإما مفصول عنه مرفوع بالابتداء خبره الجملة المصدرة باسم الإشارة كما سيأتي بيانه فالوقف على المتقين حينئذ وقف تام لأنه وقف على مستقبل ما بعده أيضا مستقبل وأما على الوجوه الأول فحسن لاستقلال الموقوف عليه غير تام لتعلق ما بعده به وتبعيته له أما على تقدير الجر على الوصفية فظاهر وأما على تقدير النصب أو الرفع على المدح فلما تقرر من أن المنصوب والمرفوع مدحا وإن خرجا عن التبعية لما قبلها صورة حيث لم يتبعاه في الاعراب وبذلك سميا قطعا لكنهما تابعان له حقيقة ألا يرى كيف التزموا حذف الفعل والمبتدأ في النصب والرفع روما لتصوير كل منهما بصورة متعلق من متعلقات ما قبله وتنبيها على شدة الاتصال بينهما قال أبو على إذا ذكرت صفات للمدح وخولف في بعضها الإعراب فقد خولف للافتنان أي للتفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجد في الإصغاء فإن تغيير الكلام المسوق لمعنى
(٢٩)
مفاتيح البحث: الصّلاة (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271