تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٣
بإضمار الباء القسمية مفتوحا لكونه غير منصوف وقرئ ص وق بالكسر على التحريك لالتقاء الساكنين ويجوز في طاسين ميم أن تفتح نونها وتجعل من قبيل دارا بجرد ذكره سيبويه في كتابه وأما ما عدا ذلك من الفواتح فليس فيها إلا الحكاية وسيجئ تفاصيل سائر أحكام كل منها مشروحة في مواقعها بإذن الله عز سلطانه أما هذه الفاتحة الشريفة فإن جعلت اسما للسورة أو القرآن فمحلها الرفع إما على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هذا ألم أي مسمى به وإنما صحت الإشارة إلى القرآن بعضا أو كلا مع عدم سبق ذكره لأنه باعتبار كونه بصدد الذكر صار في حكم الحاضر المشاهد كما يقال هذا ما اشترى فلان وأما على انه مبتدأ أي المسمى به والأول هو الأظهر لأن ما يجعل عنوان الموضوع حقه أن يكون قبل ذلك معلوم الانتساب إليه عند المخاطب وإذ لا علم بالتسمية قبل فحقها الإخبار بها وادعاء شهرتها يأباه التردد في أن المسمى هي السورة أو كل القرآن «ذلك» ذا اسم إشارة واللام عماد جيء به للدلالة على بعد المشار إليه والكاف للخطاب والمشار إليه هو المسمى فإنه منزل منزلة المشاهد بالحس البصري وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شانه وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف أثر تنويهه بذكر اسمه وما قيل من انه باعتبار التقصي أو باعتبار الوصول من المرسل إلى المرسل إليه في حكم المتباعد وإن كان مصححا لا يراده لكنه بمعزل من ترجيحه على إيراد ما وضع للإشارة إلى القريب وتذكيره على تقدير كون المسمى هي السورة لأن المشار إليه هو المسمى بالأسم المذكور من حيث هو مسمى به لا من حيث هو مسمى بالسورة ولئن ادعى اعتبار الحيثية الثانية في الأول بناء على أن التسمية لتمييز السور بعضها من بعض فذلك لتذكير ما بعده وهو على الوجه الأول مبتدأ على حدة وعلى الوجه الثاني مبتدأ ثان وقوله عز وعلا «الكتاب» إما خبر له أو صفة أما إذا كان خبرا له فالجملة على الوجه الأول مستأنفة مؤكدة لما أفادته الجملة الأولى من نباهة شأن المسمى لا محل لها من الإعراب وعلى الوجه الثاني في محل الرفع على أنها خبر للمبتدأ الأول واسم الإشارة مغن عن الضمير الرابط والكتاب أما مصدر سمى به المفعول مبالغة كالخلق والتصوير للمخلوق والمصور وإما فعال بني للمفعول كاللباس من الكتب الذي هو ضم الحروف بعضها إلى بعض وأصله الجمع والضم في الأمور البادية للحس البصري ومنه الكتيبة للعسكر كما أن أصل القراءة الجمع والضم في الأشياء الخافية عليه وإطلاق الكتاب على المنظوم عبارة لما أن مآله الكتابة والمراد به على تقدير كون المسمى هي السورة جميع القرآن الكريم وإن لم يتم نزوله عند نزول السورة إما باعتبار تحققه في علم الله عز وجل أو باعتبار ثبوته في اللوح أو اعتبار نزوله جملة إلى السماء الدنيا حسبما ذكر في فاتحة الكتاب واللام للعهد والمعنى أن هذه السورة هو الكتاب أي العمدة القصوى منه كأنه في إحراز الفضل كل الكتاب المعهود الغنى عن الوصف بالكمال لاشتهاره به فيما بين الكتب على طريقة قوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة وعلى تقدير كون المسمى كل القرآن فالمراد بالكتاب الجنس واللام الحقيقة والمعنى أن ذلك هو الكتاب
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271