تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥٣
النافية بين المعطوفين لتأكيد النفي لما مر من أن تصلب اليهود في أمثال هذه العظائم أشد من النصارى والإشعار بأن رضى كل منهما مباين لرضى الأخرى أي لن ترضي عنك اليهود ولو خليتهم وشأنهم حتى تتبع ملتهم ولا النصارى ولو تركتم ودينهم حتى تتبع ملتهم فأوجز النظم ثقة بظهور المراد وفيه من المبالغة في إقناطه صلى الله عليه وسلم من اسلامهم ما لا غاية وراءه فإنهم حيث لم يرضوا عنه عليه السلام ولو خلاهم يفعلون ما يفعلون بل أملوا منه صلى الله عليه وسلم مالا يكاد يدخل تحت الإمكان من اتباعه عليه السلام لملتهم فكيف يتوهم اتباعهم لملته عليه السلام وهذه حالتهم في أنفسهم ومقالتهم فيما بينهم وأما إنهم أظهروها للنبي صلى الله عليه وسلم وشافهوه بذلك وقالوا لن نرضى عنك وإن بالغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا كما قيل فلا يساعده النظم الكريم بل فيه ما يدل على خلافه فإن قوله عز وجل «قل إن هدى الله هو الهدى» صريح في أن ما وقع هذا جوابا عنه ليس عين تلك العبارة بل ما يستلزم مضمونها أو يلزمه من الدعوة إلى اليهودية والنصرانية وادعاء أن الاهتداء فيهما كقوله عز وجل حكاية عنهم «كونوا هودا أو نصارى تهتدوا» أي قل ردا عليهم إن هدى الله الذي هو الاسلام هو الهدى بالحق والذي يحق ويصح ان يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما تدعون اليه ليس بهدى بل هو هوى كما يعرب عنه قوله تعالى «ولئن اتبعت أهواءهم» أي آراءهم الزائغة الصادرة عنهم بقضية شهوات أنفسهم وهي التي عبر عنها فيما قبل بملتهم إذ هي التي ينتمون إليها وأما ما شرعه الله تعالى لهم من الشريعة على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المعني الحقيقي للملة فقد غيروها تغييرا «بعد الذي جاءك من العلم» أي الوحي أو الدين المعلوم صحته «ما لك من الله» من جهته العزيزة «من ولي» يلي أمرك عموما «ولا نصير» يدفع عنك عقابه وحيث لم يستلزم نفي الولي نفي النصير وسط لا بين المعطوفين لتأكيد النفي وهذا باب التهييج والإلهاب والا فأني يتوهم إمكان اتباعه عليه السلام لملتهم وهو جواب للقسم الذي وطأه اللام واكتفى به عن جواب الشرط «الذين آتيناهم الكتاب» هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه «يتلونه حق تلاوته» بمراعاة لفظه عن التحريف وبالتدبر في معانيه والعمل بما فيه وهو حال مقدرة والخبر ما بعده أو خبر وما بعده مقرر له «أولئك» إشارة إلى الموصوفين بإيتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل «يؤمنون به» أي بكتابهم دون المحرفين فإنهم بمعزل من الإيمان به فإنه لا يجامع الكفر ببعض منه «ومن يكفر به» بالتحريف والكفر بما يصدقه «فأولئك هم الخاسرون» حيث اشتروا الكفر بالإيمان «يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم» ومن جملتها التوراة وذكر النعمة إنما
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271