تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٤١
الجملة الابتدائية جوابا للوغير معهود في كلام العرب وقيل لو للتمنى ومعناه أنهم من فظاعة الحال بحيث يتمنى العارف إيمانهم واتقاءهم تلهفا عليهم وقرئ لمثوبة وإنما سمى الجزاء ثوابا ومثوبة لأن المحسن يثوب إليه «لو كانوا يعلمون» ان ثواب الله خير نسبوا إلى الجهل لعدم العمل بموجب العلم «يا أيها الذين آمنوا» خطاب للمؤمنين فيه إرشاد لهم إلى الخير وإشارة إلى بعض آخر من جنايات اليهود «لا تقولوا راعنا» المراعاة المبالغة في الرعى وهو حفظ الغير وتدبير أموره وتدارك مصالحة وكان المسلمون إذا ألقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من العلم يقولون راعنا يا رسول الله أي راقبنا وانتظرنا وتأن بنا حتى نفهم كلامك ونحفظه وكانت لليهود كلمة عبرانية أو سريانية يتسابون بها فيما بينهم وهي راعينا قيل معناها اسمع لا سمعت فلما سمعوا بقول المؤمنين ذلك افترضوه واتخذوه ذريعة إلى مقصدهم فجعلوا يخاطبون به النبي صلى الله عليه وسلم يعنون به تلك المسبة أو نسبته صلى الله عليه وسلم إلى الرعن وهو الحمق والهوج روى أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سمعها منهم فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه قالوا أو لستم تقولونها فنزلت الآية ونهى فيها المؤمنون عن ذلك قطعا لألسنة اليهود عن التدليس وأمروا بما في معناها ولا يقبل التلبيس فقيل «وقولوا انظرنا» أي انظر إلينا بالحذف والإيصال أو انتظرنا على أنه من نظرة إذا انتظره وقرئ أنظرنا من النظرة أي أمهلنا حتى نحفظ وقرئ راعونا على صيغة الجمع للتوقير وراعنا على صيغة الفاعل أي قولا ذا رعن كدارع ولابن لأنه لما أشبه قولهم راعينا وكان سببا للسبب بالرعن اتصف به «واسمعوا» وأحسنوا سماع ما يكلمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقى عليكم من لمسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعاذة وطلب المراعاة أو واسمعوا ما كلفتموه من النهى والأمر بجد واعتناء حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه أو واسمعوا سماع طاعة وقبول ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا «وللكافرين» أي اليهود الذين توسلوا بقولكم المذكور إلى كفرياتهم وجعلوه سببا للتهاون برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له ما قالوا «عذاب أليم» لما اجترءوا عليه من العظيمة وهو تذييل لما سبق فيه وعيد شديد لهم ونوع تحذير للمخاطبين عما نهوا عنه «ما يود الذين كفروا» الود حب الشئ مع تمنيه ولذلك يستعمل في كل منهما ونفيه كناية عن الكراهة ووضع الموصول موضع الضمير للإشعار بعلية ما في حيز الصلة لعدم ودهم ولعل تعلقه بما قبله من حيث أن القول المنهى عنه كثيرا ما كان يقع عند تنزيل الوحي المعبر عنه في هذه الآية بالخير فكأنه أشير إلى أن سبب تحريفهم له إلى ما حكى عنهم لوقوعه في أثناء حصول ما يكرهونه من تنزيل الخير وقيل كان فريق من اليهود يظهرون للمؤمنين محبة ويزعمون أنهم يودون لهم الخير فنزلت تكذيبا لهم في ذلك ومن في
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271