تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥
إلى مناهج معرفتك والتوفيق لأداء حقوق نعمتك لا نحصى ثناء عليك لا اله الا أنت نستغفرك ونتوب إليك «الرحمن الرحيم» صفتان لله فإن أريد بما فيهما من الرحمة ما يختص بالعقلاء من العالمين أو ما يفيض على الكل بعد الخروج إلى طور الوجود من النعم فوجه تأخيرهما عن وصف الربوبية ظاهر وإن أريد ما يعم الكل في الأطوار كلها حسبما في قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فوجه الترتيب أن التربية لا تقتضي المقارنة للرحمة فإيرادهما في عقبها للإيذان بأنه تعالى متفضل فيها فاعل بقضية رحمته السابقة من غير وجوب عليه وبأنها واقعة على أحسن ما يكون والاقتصار على نعته تعالى بهما في التسمية لما أنه الأنسب بحال المتبرك المستعين بإسمه الجليل والأوفق لمقاصده «مالك يوم الدين» صفة رابعة له تعالى وتأخيرها عن الصفات الأول مما لا حاجة إلى بيان وجهة وقرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكلي في أمور العامة بالأمر والنهي وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين كما في قوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار وقرئ ملك بالتخفيف وملك بلفظ الماضي ومالك بالنصب على المدح أو الحال وبالرفع منونا ومضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف وملك مضافا بالرفع والنصب واليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفي الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس والمراد ههنا مطلق الوقت والدين الجزاء خيرا كان أو شرا ومنه الثاني في المثل السائر كما تدين تدان والأول في بيت الحماسة ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا وأما الأول في الأول والثاني في الثاني فليس بجزاء حقيقة وإنما سمي به مشاكلة أو تسمية للشيء باسم مسببه كما سميت إرادة القيام والقراءة باسمهما في قوله عز اسمه إذا قمتم إلى الصلاة وقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ولعله هو السر في بناء المفاعلة من الأفعال التي تقوم أسبابها بمفعولاتها نحو عاقبت اللص ونظائره فإن قيام السرقة التي هي سبب للعقوبة باللص نزل منزلة قيام المسبب به وهي العقوبة فصار كأنها قامت بالجانبين وصدرت عنهما فبنيت صيغة المفاعلة الدالة على المشاركة بين الاثنين وإضافة اليوم إليه لأدنى ملابسة كإضافة سائر الظروف الزمانية إلى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب وعام الفتح وتخصيصه من بين سائر ما يقع فيه من القيامة والجمع والحساب لكونه أدخل في الترغيب والترهيب فإن ما ذكر من القيامة وغيرها من مبادئ الجزاء ومقدماته وإضافة مالك إلى اليوم من إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على نهج الإتساع المبني على إجرائه مجرى المفعول به مع بقاء المعنى على حاله كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار أي مالك أمور العالمين كلها في يوم الدين وخلو إضافته عن إفادة التعريف المسوغ لوقوعه صفة للمعرفة إنما هو إذا أريد به الحال أو الاستقبال واما عند إرادة الاستمرار الثبوتي كما هو اللائق بالمقام فلا ريب في كونها إضافة حقيقية كإضافة الصفة المشبهة إلى غير معمولها في قراءة ملك يوم الدين ويوم الدين وإن لم يكن مستمرا في جميع الأزمنة إلا أنه لتحقق وقوعه وبقائه أبدا أجرى مجرى المتحقق المستمر ويجوز أن يراد به الماضي بهذا الاعتبار كما يشهد به القراءة على صيغة الماضي وما ذكر من إجراء الظرف مجرى المفعول به إنما هو من حيث المعنى لا من حيث الإعراب حتى يلزم كون الإضافة لفظية ألا ترى أنك تقول في مالك عبده
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271