الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٨
بحمد الله لا يحمدك وأنزل في ذلك عشر آيات ان الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم فحد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطحا وحنة وحسان * وأخرج ابن مردويه بسنده عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر جاء ببعض نسائه وسافر بعائشة وكان لها هودج وكان الهودج له رجال يحملونه ويضعونه فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخرجت عائشة للحاجة فباعدت فلم يعلم بها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والناس قد ارتحلوا وجاء الذين يحملون الهودج فحملوه فلم يعلموا الا انها فيه فساروا وأقبلت عائشة فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم والناس قد ارتحلوا فجلست مكانها فاستيقظ رجل من الأنصار يقال له صفوان بن معطل وكان لا يقرب النساء فتقرب منها ومعه بعير له فلما رآها وكان قد عرفها وهي صغيرة قال أم المؤمنين ولوى وجهه وحملها ثم أخذ بخطام الجمل وأقبل يقوده حتى لحق الناس والنبي صلى الله عليه وسلم قد نزل وفقد عائشة فأكثروا القول وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه حتى اعتزلها واستشار فيها زيد بن ثابت وغيره فقال يا رسول الله دعها لعل الله ان يحدث أمره فيها فقال علي بن أبي طالب النساء كثير وخرجت عائشة ليلة تمشى في نساء فعثرت أم مسطح فقالت تعس مسطح قالت عائشة بئس ما قلت فقالت انك لا تدرى ما يقول فأخبرتها فسقطت عائشة مغشيا عليها ثم أنزل الله ان الذين جاؤوا بالإفك الآيات وكان أبو بكر يعطى مسطحا ويصله ويبره فحلف أبو بكر لا يعطيه فنزل ولا يأتل أولوا الفضل منكم الآية فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيها ويبشرها فجاء أبو بكر فأخبرها بعذرها وما أنزل الله فيها فقالت بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك * وأخرج الطبراني وابن مردويه بسنده عن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ثلاثا فمن أصابته القرعة خرج بها معه فلما غزا بنى المصطلق أقرع بينهن فأصابت عائشة وأم سلمة فخرج بهما معه فلما كانوا في بعض الطريق مال رحل أم سلمة فانا خوا بعيرها ليصلحوا رحلها وكانت عائشة تريد قضاء حاجة فلما أبركوا إبلهم قالت عائشة فقلت في نفسي إلى ما يصلح رحل أم سلمة أقضى حاجتي قال فنزلت من الهودج ولم يعلموا بنزولي فاتيت خربة فانقطعت قلادتي فاحتسبت في جمعها ونظامها وبعث القوم إبلهم ومضوا وظنوا انى في الهودج فخرجت ولم أر أحدا فاتبعتهم حتى أعييت فقلت في نفسي ان القوم سيفقدوني ويرجعون في طلبي فقمت على بعض الطريق فربى صفوان بن المعطل وكان سال النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعله على الساقة فجعله وكان إذا رحل الناس قام يصلى ثم اتبعهم فما سقط منهم من شئ حمله حتى يأتي به أصحابه قالت عائشة فلما مر بي ظن انى رجل فقال يا نومان قم فان الناس قد مضوا فقلت انى لست رجلا انا عائشة قال انا لله وانا إليه راجعون ثم أناخ بعيره فعقل يديه ثم ولى عنى فقال يا أمه قومي فاركبي فإذا ركبت فآذنيني قالت فركبت فجاء حتى حل العقال ثم بعث جمله فاخذ بخطام الجمل قال عمر فما كلمها كلاما حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن أبى ابن سلول للناس فجر بها ورب الكعبة وأعانه على ذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة وشاع ذلك في العسكر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكان في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة وأشاع عبد الله بن أبي هذا الحديث في المدينة واشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فدخلت ذات يوم أم مسطح فرأتني وأنا أريد المذهب فحملت معي السطل وفيه ماء فوقع السطل منها فقالت تعس مسطح قالت لها عائشة سبحان الله تسبين رجلا من أهل بدر وهو ابنك قالت لها أم مسطح انه سال بك السيل وأنت لا تدرين وأخبرتها بالخبر قالت فلما أخبرتني أخذتني الحمى بنافض مما كان ولم أجد المذهب قالت عائشة وقد كنت أرى من النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك جفوة ولم أدر من أي شئ هو فلما حدثتني أم مسطح علمت أن جفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذاك فلما دخل على قلت أتأذن لي ان اذهب إلى أهلي قال اذهبي فخرجت عائشة حتى أتت أباها فقال لها مالك قلت أخرجني رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته قال لها أبو بكر فأخرجك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته وآويك انا والله لا آويك حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يؤويها فقال لها أبو بكر والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط فكيف وقد أعزنا الله بالاسلام فبكت عائشة وأمها أم رومان وأبو بكر وعبد الرحمن وبكى معهم أهل الدار وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فحمد
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست