الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٠
فوجدوه قد مات منذ سنة وهي في قراءة ابن مسعود فمكثوا يدينون له من بعد موته حولا كاملا فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون لو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان عليه السلام ولما لبثوا في العذاب سنة يعملون له ثم إن الشياطين قالوا للأرضة لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ولو كنت تشربين أتيناك بأطيب الشراب ولكننا ننقل إليك الطين والماء فهم ينقلون إليها حيث كانت ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو مما يأتيها الشياطين شكرا لها * وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس دابة الأرض تأكل منسأته عصاه * وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لبث سليمان عليه السلام على عصاه حولا بعدما مات ثم خر على رأس الحول فأخذت الانس عصا مثل عصاه ودابة مثل دابته فأرسلوها عليها فأكلتها في سنة وكان ابن عباس يقرأ فلما خر تبينت الانس ان لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سنة قال سفيان وفي قراءة ابن مسعود وهم يدأبون له حولا * وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن السني في الطب النبوي وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان سليمان عليه السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ما اسمك فتقول كذا وكذا فان كانت لغرس غرست وان كانت لدواء نبتت فصلى ذات يوم فإذا شجرة نابتة بين يديه فقال لها ما اسمك قالت الخرنوب قال لأي شئ أنت قالت لخراب هذا البيت فقال سليمان عليه السلام اللهم عم عن الجن موتى حتى يعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب فاخذ عصا فتوكأ عليها وقبضه الله وهو متكئ فمكث حينا ميتا والجن تعمل فأكلتها الأرضة فسقطت فعلموا عند ذلك بموته فتبينت الانس ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين وكان ابن عباس يقرؤها كذلك فشكرت الجن الأرضة فأينما كانت يأتونها بالماء وأخرجه البزار والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس موقوفا * وأخرج الديلمي عن زيد بن أرقم مرفوعا يقول الله انى تفضلت على عبادي بثلاث ألقيت الدابة على الحبة ولولا ذلك لكنزتها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة وألقيت النتن على الجسد ولولا ذلك لم يدفن حبيب حبيبه وأسليت الحزين ولولا ذلك لذهب التسلي * وأخرج عبد ابن حميد عن قتادة قال كانت الجن تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب أشياء وانهم يعلمون ما في غد فابتلوا بموت سليمان عليه الصلاة والسلام فمات فلبث سنة على عصاه وهم لا يشعرون بموته وهم مسخرون تلك السنة ويعملون دائبين فلما خر تبينت الجن وفي بعض القراءة فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين وقد لبثوا يدأبون ويعملون له حولا بعد موته * وأخرج عبد بن حميد من طريق قيس بن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت الانس تقول في زمن سليمان عليه السلام ان الجن تعلم الغيب فلما مات سليمان عليه السلام مكث قائما على عصاه ميتا حولا والجن تعمل بقيامه فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين كان ابن عباس رضي الله عنهما كذلك يقرؤها قال قيس بن سعد رضي الله عنه وهي قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه كذلك * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال قال سليمان عليه السلام لملك الموت إذا أمرت بي فأعلمني فاتاه فقال يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس عليه باب فقام يصلى فاتكأ على عصاه فدخل عليه ملك الموت عليه السلام فقبض روحه وهو متكئ على عصاه ولم يصنع ذلك فرارا من الموت قال والجن تعمل بين يديه وينظرون يحسبون انه حي فبعث الله دابة الأرض دابة تأكل العيدان يقال لها القادح فدخلت فيها فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتا فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا فذلك قوله ما دلهم على موته الا دابة الأرض تأكل منسأته * وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال لما رد الله الخاتم إليه لم يصل صلاة الصبح يوما الا نظر وراءه فإذا هو بشجرة خضراء تهتز فيقول يا شجرة أما يأكلنك جن ولا انس ولا طير ولا هوام ولا بهائم فتقول انى لم أجعل رزقا لشئ ولكن دواء من كذا ودواء من كذا فقام الإنس والجن يقطعونها ويجعلونها في الدواء فصلى الصبح ذات يوم والتفت فإذا هو بشجرة وراءه قال ما أنت يا شجرة قالت أنا الخرنوبة قال والله ما الخرنوبة الا خراب بيت المقدس والله لا يخرب ما كنت حيا ولكني أموت فدعا بحنوط
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست