الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢١٥
على عهد دقيوس فاني قد كنت أدعو الله ان يرينيهم وان يعلمني مكانهم ودعا مشيخة أهل القرية وكان رجل منهم قد كان عنده أسماؤهم وأنسابهم فسألهم فأخبروه فسال الفتى فقال صدق وانطلق الملك وأهل المدينة معه لان يدلهم على أصحابه حتى إذا دنوا من الكهف سمع الفتية حس الناس فقالوا أتيتم ظهر على صاحبكم فاعتنق بعضهم بعضا وجعل يوصى بعضهم بعضا بدينهم فلما دنا الفتى منهم أرسلوه فلما قدم إلى أصحابه ماتوا عند ذلك ميتة الحق فلما نظر إليهم الملك شق عليه ان لم يقدر عليهم أحياء وقال لا أدفنهم إذا فائتوني بصندوق من ذهب فاتاه آت منهم في المنام فقال أردت أن تجعلن في صندوق من ذهب فلا تفعل ودعنا في كهفنا فمن التراب خلقنا واليه نعود فتركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجدا * وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال جاء رجل من حواري عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل على بابها صنم لا يدخلها أحدا الا سجد له فكره ان يدخل فأتى حماما فكان فيه قريبا من تلك المدينة وكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة والرزق وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام ان الليل لي ولا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت حتى أتى ابن الملك بامرأة يدخل بها الحمام فعيره الحوارى فقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه الكداء فاستحيا فذهب فرجع مرة أخرى فسبه وانتهره فلم يلتفت حتى دخل ودخلت معه المرأة فباتا في الحمام جميعا فماتا فيه فأتى الملك فقيل له قتل ابنك صاحب الحمام فالتمس فلم يقدر عليه وهرب من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم فذكروا له انهم التمسوا فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا فيه فقالوا نبيت ههنا الليلة حتى نصبح إن شاء الله ثم تروا رأيكم فضرب على آذانهم فخرج الملك بأصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد الرجل منهم ان يدخل أرعب فلم يطق أحد أن يدخله فقال له قائل ألست قلت لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا عطشا وجوعا ففعل ثم صبروا زمانا ثم إن راعى غنم أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح لغنمه فأدخلها فيه ورد الله أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا فبعثوا أحدهم بورق ليشتر لهم طعاما فكلما أتى باب مدينتهم لا يرى أحد من ورقهم شيئا الا استنكرها حتى جاء رجلا فقال بعني بهذه الدراهم طعاما فقال ومن أين لك هذه الدراهم قال انى رحت وأصحابي أمس فأتى الليل ثم أصبحنا فأرسلوني قال فهذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان فاني لك هذه الدراهم فرفعه إلى الملك وكان رجلا صالحا فقال ومن أين لك هذا الورق قال خرجت انا وأصحابي أمس حتى إذا أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ثم أمروني ان اشترى لهم طعاما قال وأين أصحابك قال في الكهف فانطلق معه حتى أتوا باب الكهف فقال دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم فلما رأوه ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم فأرادوا ان يدخلوا فجعل كلما دخل رجل منهم رعب فلم يقدروا أن يدخلوا إليهم فبنوا عندهم مسجدا يصلون فيه * وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الكهف أعوان المهدى * وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم قال إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفا على دينهم فقدوهم فخبروا الملك خبرهم فامر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال إنه سيكون لهم شان وذلك اللوح هو الرقيم والله أعلم * قوله تعالى (فضربنا على آذانهم) * أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله فضربنا على آذانهم يقول أرقدناهم بعثناهم لنعلم أي الحزبين من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة أحصى لما لبثوا انهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة * وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله أي الحزبين قال من قوم الفتية أحصى لما لبثوا أمدا قال عددا * وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا يقول ما كان لواحد من الفريقين علم لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم * قوله تعالى (نحن نقص) الآيتين * أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست