الملك فلا يلزم ما قاله لأن القرية إذا ملك عليها مترف ثم فسق ثم آخر ففسق ثم كذلك كثر الفساد وتوالي الكفر ونزل بهم على الآخر من ملوكهم، ورأيت في النوم أني قرأت وقرئ بحضرتي * (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) * الآية بتشديد الميم. فأقول في النوم: ما أفصح هذه القراءة، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم. وقيل: * (القول) * لأملأن وهؤلاء في النار ولا أبالي.
والتدمير الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء. * (وكم) * في موضع نصب على المفعول بأهلكنا أي كثيرا من القرون * (أهلكنا * ومن * القرون) * بيان لكم وتمييز له كما يميز العدد بالجنس، والقرون عاد وثمود وغيرهم ويعني بالإهلاك هنا الإهلاك بالعذاب، وفي ذلك تهديد ووعيد لمشركي مكة وقال: * (من بعد نوح) * ولم يقل من بعد آدم لأن نوحا أول نبي بالغ قومه في تكذيبه، وقومه أول من حلت بهم العقوبة بالعظمى وهي الاستئصال بالطوفان. وتقدم القول في عمر القرن و * (من) * الأولى للتبيين والثانية لابتداء الغاية وتعلقا بأهلكنا لاختلاف معنييهما. وقال الحوفي: * (من بعد نوح) * من الثانية بدل من الأولى انتهى. وهذا ليس بجيد. وقال ابن عطية: هذه الباء يعني في * (وكفى بربك) * إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم انتهى. و * (بذنوب عباده) * تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الهلكة، و * (خبيرا بصيرا) * لتنبيه على أنه عالم بها فيعاقب عليها ويتعلق بذنوب بخبيرا أو ببصيرا. وقال الحوفي: تتعلق بكفى انتهى. وهذا وهم و * (العاجلة) * هي الدنيا ومعنى إرادتها إيثارها على الآخرة، ولا بد من تقدير حذف دل عليه المقابل في قوله: * (من أراد * الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) * فالتقدير: من كان يريد العاجلة وسعى لها سعيها وهو كافر. وقيل: المراد * (من كان يريد العاجلة) * بعمل الآخرة كالمنافق والمرائي والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة والذكر كما قال عليه السلام: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). وقال عليه الصلاة والسلام: (من طلب الدنيا بعمل الآخرة فماله في الآخرة من نصيب).
وقيل: نزلت في المنافقين وكانوا يغزون مع المسلمين للغنيمة لا للثواب، و * (من) * شرط وجوابه * (عجلنا له فيها ما * تشاء) * فقيد المعجل بمشيئته أي ما يشاء تعجيله. و * (لمن نريد) * بدل من قوله: * (له) * بدل بعض من كل لأن الضمير في * (له) * عائد على من الشرطية، وهي في معنى الجمع، ولكن جاءت الضمائر هنا على اللفظ لا على المعنى، فقيد المعجل بإرادته فليس من يريد العاجلة يحصل له ما يريده، ألا ترى أن كثيرا من الناس يختارون الدنيا ولا يحصل لهم منها إلا ما قسمه الله لهم، وكثيرا منهم يتمنون النزر اليسير فلا يحصل لهم، ويجمع لهم شقاوة الدنيا وشقاوة الآخرة. وقرأ الجمهور * (ما نشاء) * بالنون وروي عن نافع ما يشاء بالياء. فقيل الضمير في يشاء يعود على الله، وهو من باب الالتفات فقراءة النون والياء سواء. وقيل يجوز أن يعود على من العائد عليها الضمير في * (له) * وليس ذلك عاما بل لا يكون له ما يشاء إلا آحاد أراد الله لهم ذلك، والظاهر أن الضمير في * (لمن نريد) * يقدر مع تقديره مضاف محذوف يدل عليه ما قبله، أي لمن نريد تعجيله له أي تعجيل ما نشاء. وقال أبو إسحاق الفزاري المعنى لمن نريد هلكته وما قاله لا يدل عليه لفظ في الآية.
و * (* جلعنا) * بمعنى صيرنا، والمفعول الأول * (لخزنة جهنم) * والثاني له لأنه ينعقد منهما مبتدأ وخبر، فنقول: جهنم للكافرين كما قال هؤلاء للنار وهؤلاء للجنة و * (يصلاها) * حال من جهنم. وقال أبو البقاء: أو من الضمير الذي في * (له) *. وقال صاحب الغنيان: مفعول * (جعلنا) * الثاني محذوف تقديره مصيرا أو جزاء انتهى. * (مذموما) * إشارة إلى الإهانة. * (مدحورا) * إشارة إلى البعد والطرد من رحمة الله * (ومن أراد الاخرة) * أي ثواب الآخرة بأن يؤثرها على الدنيا، ويعقد إرادته بها * (وسعى) * فيما كلف من الأعمال والأقوال * (سعيها) * أي السعي المعد للنجاة فيها. * (وهو مؤمن) * هو الشرط الأعظم في النجاة فلا تنفع إرادة ولا سعي إلا بحصوله. وفي الحقيقة هو الناشئ عنه إرادة الآخرة والسعي للنجاة فيها وحصول الثواب، وعن